للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سورة العنكبوت آية ٤٦: "ولا تجادلوا أهل الكتاب الا بالتي هي احسن الا الذين ظلموا منهم".

فالنصوص الإسلامية إختطت إطارا دقيقا للتعامل مع أهل الكتاب أساسه البر و التودد لمن يسالم المسلمين و لا يعتدي عليهم: " لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم إن تبروهم و تقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين. إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون " (سورة الممتحنة آيه ٨). فالتمييز هنا واضح وصريح بين المعتدي و المحارب والمهادن المسالم، والأصل في علاقة المسلم بأخيه اليهودي والمسيحي هو التعاطف والتعاون، ويحذر القرآن الكريم من التعميم الخاطئ المتمثل في الحكم على أهل ديانة ما بسلوك بعض المنتمين إليها: " ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل و هم يسجدون. يؤمنون بالله و اليوم الآخر و يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر و يسارعون في الخيرات و أولئك من الصالحين. و ما يفعلوا من خير فلن يكفروه و الله عليم بالمتقين " (سورة آل عمران) و قد طبّق الرسول، صلى الله عليه و سلم، و خلفاؤه الراشدون هذه التعاليم الربانية أحسن تطبيق، و تمثلوها في علاقاتهم بالأقوام والملل الذين تعاملوا معهم في مراحل تأسيس الدولة الإسلامية وخلال عهود توسعها (١).

وقد امتدح القرآن الصالحين من اهل الكتاب كما يمتدح غيرهم من المؤمنين فقال الله تعالى في سورة آل عمران آية ٧٥: "ومن أهل الكتاب من ان تأمنه بقنطار يؤده اليك" وقوله تعالى: "يسارعون في الخيرات و أولئك من الصالحين".

ويبين لنا التاريخ أنه عندما بلغ نبأ موت النجاشي للرسول (ص) استدار إلى جمع المصلين وقال لهم: "لقد مات اليوم أحد الصالحين. إذاً، فانهضوا وصلّوا من أجل أخيكم"؛ ثم أمَّهم للصلاة. ويرى بعض المسلمين أن النجاشي قد اعتنق الإسلام سراً، إذ أنهم لا يستطيعون قبول فكرة صلاة النبي محمد على روح شخص غير مسلم، لكن الخبراء بتاريخ الإسلام يقولون أن النبي صلّى عليه لكونه مسيحياً صالحاً قام


(١) الحوار الإسلامي مع الأديان التوحيدية الأخرى: الخلفيات و الآفاق - عبد الملك منصور حسن المصعبي

<<  <  ج: ص:  >  >>