للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثقلاً بين الأمم ويعيدها ثانية إلى التاريخ بعد رحلة الضياع في التيه كما ضاع بنو إسرائيل من قبل، لعلها فرصة البحث عن الذات الغائبة والتحقق بحضور اشد فاعلية واكثر عطاء (١).

فالامه العربية والإسلامية هى امة ذات رسالة انسانية خالدة، ساهمت عبر التاريخ باسهامات لا ينكرها الا جاحد، فالحضارات الانسانية الأولى نشأت وترعرت بها، والأديان السماوية كذلك، وقد سبق للمؤرخ ارنولد توينبي اعتبار أن مركزي الحضارة هما منطقتا سوريا واسيا الوسطى: ففي سوريا تشكلت المسيحية التي توسعت في العالم الهيليني بأكمله، كما تشكلت النسطوريه ومذهب الطبيعة الواحدة للسيد المسيح في ايديس في بلاد ما بين النهرين. وفي جنوبي سوريا- في الحجاز - ولد الإسلام في مكة والمدينه (٢)، حيث انتشر في مشارق الارض ومغاربها بسرعه فائقة وانشأ حضارة زاهره امتدت لقرون طويلة، ظلت ثؤتر وتغني الحضارة الانسانية حتى هذه اللحظة. وقديماً هدم الرومان تدمر وأتى العرب بعد الف عام فبنوا قرطبه ... لقد أقاموا مع جامع قرطبه جامعتها التي كانت مركزاً ثقافياً شع على الغرب على مدى ثلاثة قرون بعلوم الشرق وحكمته وفلسفة اليونان والهند، لا بترجمة الآثار العلمية والفلسفية فحسب، بل بإبداع (تركيبة) جديدة وتطوير خلاق مارسه الإسلام. وعلى الطرف الآخر من العالم الإسلامي .. من بغداد إلى جند يسابور قرب الخليج العربي كان الاطباء والحكماء من يونان وهنود وغيرهم يتعاونون في ظل الحضارة الإسلامية. كان العالم الإسلامي يلعب دوره الحضاري في تمدين الانسان وتطوير انسانيته عبر هذا الطريق التى شقتها له شعوب المنطقة منذ ثلاثة آلاف عام (٣).

إن الدارس لبنيات الحضارات الإنسانية المختلفة، لا يمكنه أن يتنكر للدور الحضاري الخلاق الذي لعبه العرب والمسلمون في بناء النهضة العلمية لأوربا


(١) مذكرات حول واقعة الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) - د. عماد الدين خليل- ص٥٢
(٢) أمريكيا طليعة الإنحطاط- روجيه جارودى-ص٣٠ - ٣١
(٣) فلسطين ارض الرسالات السماوية - روجيه جارودي - ترجمة قصي اتاسي- ميشيل واكيم - ص٣٤٨

<<  <  ج: ص:  >  >>