للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشعوب، وباسم الديمقراطية يتم رفع لواء المحتل الصهيوني بعنصريته الفجة! كل هذا الافتراء وازدواجية المعايير في التعامل واختلاق الاسباب لنسف البنية الحيوية للشعوب، باتت امراً سافراً إلى درجة ان الجماهير تعودت هذا القبح، وتبدو وكأنها استكانت له. ولكن الفوران الداخلي سيطفو، وسيرفض الانسان هذا الهدر لآدميته في لحظة تاريخية حاسمة إذا ما تعلم من التاريخ. فالقناعة بإمكان التحول من الرضوخ إلى المقاومة، من الشرذمة إلى الوحدة، من التواكل إلى الارادة، من التبعية إلى الاستقلال، هي المحرك للتغيير. ان لحظة التغيير ليست لحظة سحرية، بل هى لحظة وعي جماعي يدرك آليات الاستعمار وميكانزيمات قهر الآخر، ويبدع مواجهة مناسبة تتلائم مع نوعية الهجمة وضراوتها. فليس يكفي ان نعرف اننا مقهورون: علينا ان نعرف كيف تم قهرنا. وهذا القهر ليس مسألة بسيطة. فهو ليس انتصاراً عسكرياً أو اختراقاً اقتصادياً فحسب، بل هو صراع حضارى شامل (١).

ان العرب يدفعون الآن فيتدافعون خارج التاريخ، ليس فقط لأن وطنهم في زمن تصفية الاستعمار في اشكاله كافة، والتحرر الوطني للشعوب في كل مكان، هو الوطن الوحيد الذي ينشأ فيه ابتداء ويستقر في قلبه استعمار استيطاني، عنصري، ظلامي، توسعي، اذلالي، فاشي النزعة، يعرف كل عربي حي في قرارة نفسه ان هدفه النهائي هو بسط سيطرته العسكرية والسياسية والاقتصادية على سائر البلدان العربية، وتنصيب نفسه سيداً عليها يستغل خيراتها ويحطم طموحات شعوبها، ويرى كل عربي ذي عينين ان كل عقد من العقود الخمسة الماضية، قد اتى لتلك المغامرة الاستعمارية الفريدة بنصر جديد، وجعلها ادنى إلى تحقيق كامل اهدافها، لا، ليس ذلك وحده هو الذي يخرج العرب من المجرى العام للتاريخ: فالتاريخ قد يصبر على قوم في هزائمهم، وقد يمد يده لمن يتخلف عن الركب، اما الذي لا يتسامح التاريخ فيه ابداً، فهو ان يدير القوم ظهورهم له ويمضوا متباعدين عنه، وذلك تحديداً ما يفعله العرب (٢).


(١) فتح أمريكا - مسألة الاخر- ترفيتان تودوروف- ترجمة بشير السباعي ص١٠
(٢) خروج العرب من التاريخ- د. فوزي منصور- ترجمة ظريف عبد الله و كمال السيد- ص ٦ - ٧ - مكتبة مدبولي - ط١ ١٩٩٣

<<  <  ج: ص:  >  >>