للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وثقافية ملائمة إلى أقصى الحدود للأفكار الصهيونية، التي تلقى الدعم المادي والمعنوي على المستويين الشعبي والحكومي. فالمال اليهودي في الانتخابات لا يصلح تفسيراً للإجماع السياسي الذي يحظى به دعم إسرائيل في الأوساط السياسية الأميركية، حتى تنافس فيه المتنافسون من كل ألوان الطيف السياسي. إضافة إلى أن في أميركا من أهل الثراء غير اليهود ما يكفي وزيادة لمعادلة المال اليهودي. والإعلام اليهودي لا يكفي تفسيرا لانحياز شعبي كامل يبلغ درجة الاعتقاد، بل هو اعتقاد ديني عميق ـ كما سنرى لاحقا ـ في بلد فيه من التعددية الإعلامية وحرية الكلمة ما يكفي لبلورة رأي مخالف لو كان له أنصا.

"كما إن الحديث عن عبقرية اليهود والقول بأنهم عباقرة بطبيعتهم يتطلب منا أن نعود إلى التقاليد الحضارية والظروف التاريخية التي شكلت فكر ووجدان كل من موسى بن ميمون، وفرويد، وإنيشتين وغيرهم. وإلا فلماذا لم يظهر علماء طبيعة متفوقون تفوق أينشتاين بين يهود الفلاشا الإثيوبيين؟ وحتى لو رصدنا العبقرية اليهودية بشكل مطلق بمعزل عن أي سياقات تاريخية أو اجتماعية كما يفعل الصهاينة، فإننا سوف نكتشف أن العبرانيين وأعضاء الجماعات اليهودية لم يؤدوا دورا كبيرا في تطوير الحضارة الإنسانية، بل إن فرويد وماركس وكافكا ومعظم عباقرة اليهود قد حققوا إبداعهم عن طريق الانسلاخ الفعلي أو المجازي عن مورثهم اليهودي، وعن طريق الانخراط في الحضارة العلمانية الغربية الحديثة" (١).

لهذا فأن تضخيم دور الزعماء الصهاينة أمثال هرتزل ووايزمان وغيرهم، وجعلهم وكأنهم بذلوا جهوداً خارقة وفوق العادة للحصول على مطالبهم، أمر عارٍ عن الصحة. فالأفكار الصهيونية كانت موجودة قبل ظهور الحركة الصهيونية بفترة كبيرة، وتبناها أشخاص أوربيون وأمريكان في وقت كان فيه اليهود يرفضون ويحاربون من يفكر بهذه الأمور. وسيتضح لنا هذا الأمر بصورة جلية عند حديثنا عن الحركة الصهيونية والظروف التي ظهرت بها.


(١) دفاع عن الإنسان ـ د. عبد الوهاب المسيري ـ عرض/ نشوة نشأت - الجزيرة نت

<<  <  ج: ص:  >  >>