للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والابتعاد عن المؤثرات الدينية والثقافية لدى الشعوب الأخرى، وكان من نتائج ذلك أن شحنت العقائد الجديدة للشعب اليهودي بالحقد على البشرية، وغرست في نفسه فكرة الحصول على (الوعد) من الرب بتملك العالم، والسيطرة على سائر الشعوب (١)، عن طريق مسيح مخلص ينتقم لهم من الشعوب التي اضطهدتهم.

وهكذا وضع الفريسيون الأسس التي قامت عليها الشخصية اليهودية خلال العصور القادمة، بحيث انه لا يمكن تحليل هذه الشخصية من دون تظهير جذور العنف الكامن فيها، والكشف عن أصالته التوراتية التلموديه، والتي تشكل أساسا معرفيا يتحكم بأنماط السلوك للجماعات اليهودية، ويوجه ردود أفعالها في كل المراحل. ويعجب المرء وهو يتابع قراءته المتأنية للفكر اليهودي، من خلال توقيعاته في الخطاب التوراتي المتداول فيما بينهم، وذلك لما يجده من طروحات تلبس رداء القداسة، وتدعي أن مصدرها السماء، وهي ليست أكثر من أوهام وأحقاد وضغائن يندر وجودها في فكر ومعتقدات أي أمة بغض النظر عن مصدرها، وضعياً كان، أم غير ذلك (٢).

فحقبة السبي البابلي تعتبر نقطة تحول هامة في تاريخ اليهود، حيث كان تاريخهم بعد موت سيدنا سليمان، تاريخ تدهور وانحلال، وفي السبي البابلي زاد من وطأة شعورهم بهذا التاريخ العاثر، شعورهم بالاضطهاد، وكان للظواهر المقلقة في نفوسهم والأحوال الاجتماعية المضطربة في حياتهم، انعكاس واضح الأثر في مشاعرهم النفسية الجياشة، فحفلت الآثار الأدبية التي وضعها هناك كهنتهم وشعراؤهم، بالمرثيات الشعرية الضافية، تندب حظ اليهود العاثر وتعبر عن آمالهم بالخلاص مما يعانون من ذل الأسر ومحنة السبي، ورهق التشريد، والعودة إلى فلسطين ونما في نفوسهم توق ونزوع إلى مخلص ينقذهم من عار الخيبات التي منوا ويمنون بها، ويخلصهم من الاضطهاد الذي يلحق بهم، أو من الشعور بالاضطهاد الذي يعانون منه (٣).


(١) النشاط السري اليهودي في الفكر والممارسة - غازي محمد فرج ١٤٥ـ١٤٦ - دار النفائس- ط١ ١٩٩٠
(٢) صناعة الإرهاب ـ د. عبد الغني عماد - ص١٠٩
(٣) الأصولية المسيحية في نصف الكرة الغربي ـ جورجي كنعان ص١١٣

<<  <  ج: ص:  >  >>