للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إسرائيل، واقيم عليها راعياً واحداً فيرعاها عبدي داود، هو يرعاها وهو يكون لها راعياً، وأنا يهوه أكون لهم ألهاً، وعبدي داود رئيساً في وسطهم" (سفر حزقيال ٤٣) (١).

وقد ظل اليهود في السبي البابلي ما يقارب خمسمائة سنه يسعون لإقامة دولة لهم في فلسطين باستخدام قوتهم فكان الإخفاق حليفهم وأورثتهم المحاولات العقيمة شعوراً باستحالة تحقيق أحلامهم في العودة، وتشييد إمبراطورية تخضع لها الأمم باستخدام طاقاتهم البشرية، فعمدوا إلى ابتكار قوة خارقة تحقق لهم أحلامهم، وراحوا ينتظرون هذه القوة في شخص داود آخر، أو ما يسمى بـ (المسيح المنتظر). ففي ذلك اليوم يقوم أصل يسى (داود) راية للشعوب، يقول أشعيا: وأنا يهوه أكون إلهاً وعبدي داود رئيساً يقول الرب" (سفر اشعياء ١٠).

وهكذا برزت فكرة المسيح المنتظر في الفكر اليهودي في وقت متأخر، ولم تظهر إلا بعد سقوط دويلة اليهود واسرهم في بابل ثم خضوعهم للفرس. وهذا ما دفع كثيرين من الباحثين إلى الاعتقاد بأن فكرة المنقذ المخلص مستعارة من الزرادشتية التي كان يدين بها الفرس (٢). فاليهود حين عجزوا عن تأسيس دولة وإقامة ملك، أوكلوا هذا الأمر إلى إلههم ومن هنا كانت المعتقدات المستمدة من فرائض يهوه وأحكامه، جميعها تدور حول محور واحد هو الشؤون السياسية، حيث ظل يهوه (الرب) أسير حوادث تاريخية معينه، وحبيس آمال سياسية خاصة بهم، كتب على نفسه أمر تحقيقها أو الظفر بها، فأخضعه أتباعه اليهود لهم وجعلوا منه قائداً يعمل على تحقيق نزواتهم، حين كانوا قبائل رحلاً يبتغون الاستقرار في قطعة أرض تكون وطنًا لهم، فاتخذوا من يهوه إلهاً قومياً، وزجوه في مسألة البحث عن وطن وتعيين الأرض، ثم إصدار وعده بتمليكهم هذه الأرض، فكان أن تسلحوا بوعد إلههم حين فكروا بغزو الأرض وظلوا متسلحين به فترة استيطانهم القصيرة، وما فتئوا يرفعونه في وجه أصحاب الأرض ـ الفلسطينيين والعالم- وثيقة شرعيه تجيز لهم


(١) الاصولية المسيحة في نصف الكره الغربي - ص١١٠
(٢) العرب واليهود في التاريخ - د. احمد سوسة ص٤٠٦

<<  <  ج: ص:  >  >>