للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حيث لعب هذا المذهب على صبغ الحياة الأمريكية برمتها بصبغة دينية، وهنا يبرز خطأ شائع، بل وقاتل وقع فيه كثير من الكتاب والمفكرين العرب، من خلال محاولتهم التقليل من دور الدين في الحضارة الحديثة، على اعتبار أن الغرب لم ينجح، ولم يتقدم إلا بعد أن خلع رداء الدين، واحل محله ما يسمى بالعلمانية، التي تفصل الدين عن الدولة، حيث حاول هؤلاء الوصول إلى نتيجة أن العرب والمسلمين لن يتقدموا إلا إذا فعلوا نفس الشيء، ولست هنا في مجال الخوض في تفاصيل هذا الموضوع، لأن ذلك ليس موضوع الكتاب، ولكن هذا لا يمنع من إلقاء مزيد من الضوء على دور الدين في أمريكا، بعد أن بينا أثره في رسم السياسة الأمريكية تجاه الصراع العربي الإسرائيلي، والعالم الإسلامي.

وحتى لا يكون حديثنا في هذا المجال مجرد سرد للتصريحات، والمواقف للسياسيين والمفكرين، ورجال الدين الأمريكيين ـ بالرغم من أهميتها ـ سنحاول الغوص بعمق في جذور الثقافة والفكر الأمريكي منذ نشأته، لنبين الدور المركزي الذي لعبه الدين ـ ولازال ـ في الحياة الأمريكية، وفي تشكيل الثقافة الأمريكية ومنظومة القيم، التي يؤمن بها الأمريكيون (١)، حيث "أن نظرة شاملة لطرق تفاعل الدين والسياسة في أمريكا، منذ التاريخ المبكر للهجرة إلي أمريكا، وبناء المستعمرات، وحتى الآن، ستجعلنا نتبين أنه لا يمكن فهم التاريخ الأمريكي المعاصر دون فهم جدلية العلاقة بين الدين والسياسة، التي تعد المنظور الكامل للتاريخ الأمريكي، حيث أن جذور الأحداث، التي تعرفها أمريكا المعاصرة، تضرب بجذورها في أعماق التاريخ والثقافة الأمريكية، وتعد العلاقة بين الدين والسياسة أحد أهم المؤثرات فيهما والمحركة لهما" (٢).

وفي كتابه الجديد (من نحن؟ تحديات الهوية الوطنية الأميركية)، يحاول (صموئيل هنتنغتون) تحديد الهوية الحقيقية لأمريكا، حيث يرفض فكرة أن الولايات المتحدة، هي مجتمع من المهاجرين متعددي الأعراق والإثنيات والثقافات، ويرى على


(١) راجع، المدخل في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، حتى ١٨٧٧ - محمد النيرب- ج١ ص٦٠ - دار الثقافة الجديدة - ط١ ١٩٩٧
(٢) الدين والسياسة في الولايات المتحدة الأمريكيةـ مايكل كوربت وجوليا كوربت ـ ترجمته د. عصام فايز، ود. ناهد وصفي ص١٨

<<  <  ج: ص:  >  >>