للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوقوع سنة ١٨٥٤م، سجل في مذكراته "أن المنطقة في غليان، وأنها مقبلة على تغيرات، وأن عدداً كبيراً من المناطق سيصبح بلا حكام. ولما تساءل عن القوة التي يمكن إعطاؤها فلسطين، وهل ستكون لهولندي أم إحدى دول الشرق؟ رد على تساؤله بنفسه في مذكراته، كالآتي: "لا. لا. لا. هناك بلد بلا شعب، والله يوجهنا الآن بحكمته ورحمته نحو شعب بلا وطن". وقد تبنى الصهاينة فيما بعد هذه الجملة وأصبحت من أول الشعارات الصهيونية، "أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض" (١).

فقد كان شافتسبرى يعتقد أن فلسطين بلداً مهجوراً من السكان، وكان كغيره من المتدينين البروتستانت الذين "نظروا إلى فلسطين من زاوية أنها ارض التوراة وعهد التوراة، وما رأوا فيها شيئاً غير ذلك، حيث أنهم أرادوا بعث الماضي حياً أمام أعينهم، وهذا ما دعاهم، بوعي منهم وبلا وعى، إلى إغماض عيونهم عن كل ما لا يريدون رؤيته" (٢). ومن أهم الأعمال التي قام بها شافتسبرى تأسيسه صندوق استكشاف فلسطين في عام ١٨٦٥م، حيث قال في الخطاب الافتتاحي الذي ألقاه بمناسبة تعينه رئيساً للصندوق: "دعونا لا نتأخر في إرسال أفضل العلماء لتنقيب طول فلسطين وعرضها ولمسح الأرض وتغطية كل زاوية فيها إذا أمكن، ولتجفيفها وقياسها، أي إذا شئتم لإعدادها من أجل عودة مالكيها القدماء. إذ ينبغي علىّ أن أعتقد بأنه لن يطول الزمن كثيراً قبل أن يقع هذا الحدث العظيم" (٣).

واعتقاد شافتسبرى وغيره عن أرض فلسطين بأنها أرض خالية، يخالف الواقع الذي يحاول الصهاينة طمسه لأغراض دعائية. فهذا السير مونتفيور ـ وهو من المؤمنين بضرورة إعادة اليهود إلى أرض فلسطين ـ والذي زار منطقة صفد في عام ١٨٣٩م يقول: "إنه رأى مساحات من أشجار الزيتون عمرها -على ما أعتقد- يزيد عن ٥٠ سنة، وكروماً ومراع شاسعة وآبار كثيرة، وكذلك التين والبندق والليمون، والتوت وغيرها ... الخ ... وحقولاً غنية بالقمح والشعير والعدس" (٤). ولكن شافتسبرى وغيره


(١) فلسطين، القضية ـ الشعب ـ الحضارة ـ بيان نويهض الحوت ـ ص ٢٩٥
(٢) المصدر السابق ـ ص ٣٠٩
(٣) الصهيونية والصراع الطبقي ـ صادق جلال العظم ـ ص ٨٧.
(٤) تيودور هرتزل عراب الحركة الصهيونية ـ مؤسسة الدراسات الفلسطينية ـ ص ٩٤

<<  <  ج: ص:  >  >>