للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مصالحها، ومحاولتها لإحاطة نفسها بهالة من الأفكار والشعارات والرموز والاعتقادات، وتحولها إلى سبب للعنف ومصدره.

وهنا يفسر الفيلسوف الفرنسي (جان بودريار) الفعل الإرهابي، وما يترتب عليه في قراءته لأحداث ١١ سبتمبر قائلا: "نحن (الغرب) الذين أردنا هذه الأحداث، وإن ارتكبها (هم)، وإذا لم ندرك ذلك يفقد الحدث كل بعده الرمزي، فيبدو حادثة محضة نفذها بضعة متعصبين يمكن القضاء عليهم وإزالتهم من الوجود، والحال أننا نعلم جيدا أن الأمر ليس كذلك". فالحادث برأي (بودريار) يتعدى بكثير مجرد الحقد على قوة عالمية مسيطرة، فمن المنطق أن يؤجج تفاقم القوة الرغبة في تدميرها، وأن تكون شريكة في تدميرها الخاص. فالغرب وقد تصرف كما لو أنه في موقع (الله) ذي القدرة الإلهية الكلية والشرعية والأخلاقية المطلقة يغدو انتحارياً، ويعلن الحرب على نفسه، وقد كان انهيار برجي مركز التجارة تواطؤا غير مرتقب.

فالنظام الذي وضعته هذه القوة العالمية، هو الذي أنشأ الشروط الموضوعية لهذا الرد العنيف المباغت، وباستئثاره على كل الأوراق، فإنه يرغم الآخر على تغيير قواعد اللعبة، فهو رعب مقابل رعب. فقد كانت فكرة مقاومة النظام العالمي أو العولمة بسيطة، فهذا النظام الذي يكره الموت ويتجنبه، يكون السلاح المميت ضده هو الموت، وقد استخدم المنفذون رتابة الحياة الأميركية قناعاً للعبة مزدوجة، وكانت قدرتهم على تدمير هذه الحياة السرية أكثر أهمية وخطورة من العمل الذي قاموا به في ١١ سبتمبر (١).

[فرضيات حول الإرهاب]

يلاحظ الفيلسوف الفرنسي (جان بودريار) أن النظام العالمي المهيمن يقتضي بالضرورة وجود إرهاب لكي يستمر في العمل والسيطرة، لأنه دون إرهاب سينهار هذا النظام، وهكذا فإن تواطؤاً عميقاً ينشأ بين الخصمين، حتى إن المحلل يتساءل من يستخدم من؟. فهذا التواطؤ ليس بالضرورة خطة مقصودة تعد مسبقاً، ولكن


(١) ذهنية الإرهاب .. لماذا يقاتلون بموتهم؟ - جان بودريار وآخرون ترجمة: بسام حجار عرض/ إبراهيم غرايبة -الناشر: الدار البيضاء، المركز الثقافي العربي

<<  <  ج: ص:  >  >>