للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التدخل لفرض سيطرتها على العالم، على اعتبار أن ما تقوم به ما هو إلا تنفيذاً لمشيئة إلهية، لتنوير العالم، والأخذ بيده إلى التقدم والحرية. يقول (جون آدمز) أحد الرؤساء الآباء المؤسسين: "أن الله ما أوجد أمريكا إلا لتنفيذ مشيئته المتمثلة في القيام بعبء تنوير وقيادة الشعوب الرازحة تحت نير الجهل والتخلف والعبودية، والأخذ بأيديها صوب التنوير والتقدم والحرية" (١). ونفس المعنى كرره (هرمان ملفيل) بقوله: " إننا نحمل على كواهلنا حريات العالم" (٢).

وبناء على هذا الإيمان تصرفت أمريكا مع العالم، فعلى الصعيد الداخلي تم إبادة الهنود الحمر بدعوى أنهم متوحشون وغير حضاريين، وتم استعباد السود، بتلك الدعوة العنصرية، التي تزعم تفوق الجنس الأبيض. وعلى الصعيد الخارجي، تم نهب ثروات أمريكا اللاتينية ومحاربة دولها باسم الدفاع عن النفس مرة، وباسم الحرية مرة أخرى، مما دفع (سيمون بولفار) أحد أبطال تحرير أمريكا اللاتينية في منتصف القرن التاسع عشر إلى القول: "يبدو أن الولايات المتحدة تسعى لتعذيب وتقييد القارة باسم الحرية" (٣)، هذا ناهيك عما يسميان بالحرب العالمية الأولى والثانية، والحرب الكورية، وحرب فيتنام، والحرب على أفغانستان والعراق .... الخ القائمة الطويلة.

نعم هذا هو واقع الحال قديماً وحديثاً منذ أن استعمر الانجلوسكسون أمريكا، وأبادوا سكانها الأصليين، ومروراً بالحروب المختلفة التي خاضتها أمريكا خلال القرنين الماضيين، وانتهاءً بحربها الصليبية على العالم الإسلامي، حيث نجحت أمريكيا في السابق، في تضليل العالم ببعض الشعارات البراقه، وتمكنت من نهب ثرواته، وسلب إرادته تحت شعار الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، إلا أنها وفي الآونة الأخيرة بدأت تفقد مصداقيتها، وبدأت تتكشف أهدافها الحقيقية الخبيثة تجاه الإنسانية. ففي الأزمات تسقط دائماً أوراق التوت وتظهر الأمور على حقيقتها دون زيف، ويبدأ التاريخ يظهر من جديد ليشكل مرآة تعكس حقيقة أمة، يؤكدها الحاضر،


(١) المسيحية والتوراة - شفيق مقار ص٤٠٨
(٢) الحلم والتاريخ - مائتا عام من تاريخ أمريكا _ كلود جوليان - ترجمة نخلة كلاس- ص ١٧ - دار طلاس, ١٩٨٩
(٣) أمريكيا طليعة الانحطاط ـ روجيه جارودى ـ ص٥١

<<  <  ج: ص:  >  >>