للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المستعمرين البريطانيين، مروراً بسعي الأمريكيين التاريخي المتواصل لتمييز أنفسهم، والحفاظ على استقلالهم عن القارة الأوروبية بشكل عام، وعن القوى الاستعمارية الأوروبية بشكل خاص، وانتهاءً بالحرب الباردة. وهنا يعبر هنتنغتون بصراحة عن اعتقاده، بأن العداء للآخر يلعب دوراً أساسيا في تشكل هوية أي جماعة، ويرى أن الحروب التي خاضها الأوروبيون في العصور الوسطى، وقبل بداية عصر الدولة القومية كانت ضرورية لتشكيل هوية الدول الأوروبية المختلفة. أما ثانية الركيزتين الإضافيتين، فهي عقيدة الأمريكيين السياسية. فلكي يميز الأمريكيون أنفسهم عن أجدادهم البريطانيين سعوا ـ كما يعتقد هنتنغتون ـ لنشر ثقافة سياسة مستقلة ومتميزة عن ثقافة الأوروبيين الإقطاعية والتمييزية، التي اضطرتهم إلى ترك أوروبا للأبد والفرار بمعتقداتهم إلى الولايات المتحدة. ومن أهم عناصر هذه العقيدة السياسية، مبادئ الحرية والمساواة والديمقراطية النيابية واحترام الحقوق والحريات الدينية والمدنية وسيادة حكم القانون، والتى استمدت جذورها من الإثنية البريطانية والعرق الأبيض والدين المسيحي والثقافة الإنجليزية - البروتستانتينية (١).

وبكلمات قليلة يلخص الكاتب والصحفي المعروف (بيار سالينجر) في تقديمه لكتاب (أميركا التوتاليتارية) صورة الأمريكي المفعم بالعقيدة الكالفينية، فيقول عن هذه العقيدة: إنها تقرر ما يلي: "لئن كان الله قد سمح بأن يجتمع في أرض أميركا شعب من رجال ونساء مميزين، فذلك لأنه منح هذا الشعب رسالة حكم العالم ذات يوم" (٢). فأمريكا التي خرجت من رحم الثورة على الحكم الإمبراطوري البريطاني، حملت في طياتها بذورها الإمبراطورية الخاصة من البداية، حيث أقدم نوعان من الناس على اقتحام العالم الجديد لبناء المستعمرات أوائل القرن السابع عشر الميلادي، كانا، كلاهما، يبحثان عن مصيريهما. إلى فرجينيا مع الكابتن (جون سميت) ذهب المغامرون والحرفيون سعياً وراء الثروة. وإلى ماساتشوستش مع حاكم الولاية


(١) من نحن؟ تحديات الهوية الوطنية الأمريكية: صموئيل هنتنغتون ـ عرض/ علاء بيومي ـ الجزيرة نت ٢ـ٨ـ٢٠٠٤م
(٢) أميركا التوتاليتارية، الولايات المتحدة والعالم: إلى أين؟ تأليف ميشال بوغنون موردان، ترجمة: خليل أحمد خليل - ط.١. - بيروت، لبنان: دار الساقي، ٢٠٠٢ - المصدر: الجزيرة نت

<<  <  ج: ص:  >  >>