للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولهذا بدأت الشركات التي تعمل في الشاطئ الشرقي للولايات المتحدة ـ حيث نزلت أولى موجات الهجرة واستقرت، ومضت تزرع وتتاجر وتغتني وتراكم الثروة ـ تواجه مشكلة تحجم نشاطها بالرغم منها، بسبب مشكلة اليد العاملة. ذلك أنه حتى قرابة سنة ١٧٠٠، لم يزد عدد المهاجرين من أوروبا عبر المحيط عن ربع مليون مهاجر، وكلهم يريد المال والأرض والعقار، وليس فيهم أحد يريد أن يكون أجيراً. والا فلماذا ركب جبال الموج وجاء إلى أرض الميعاد. إلى جانب ذلك فإن سكان البلاد الأصليين من الهنود الحمر، وممن تتم عملية إبادتهم (لأنهم همج، لا يصلحون للتمدين ولا للتدين)، ليسوا على استعداد للعمل، ولا لخدمة هؤلاء الذين انقضوا عليهم من أمواج المحيط (١).

والحل العملي الذي يطرح نفسه هو الإتيان عن أي طريق بيد عاملة تشتغل ولا تشارك، وتقبل بالقليل ولا تنتظر زيادة. والحل هو العبودية، أي عضلات تعمل بطعامها وليس أكثر، وطاعة تقبل الأمر لأنها لقنت تحت الأسر درس الطاعة بالسلاسل والسياط. وهذا الوضع أدى إلى قيام شركات في أمريكيا (شركات مساهمة أيضاً) نشاطها تجارة العبيد، حيث ازدادت ما بين ستينيات القرن السابع عشر الميلادي ونهاية القرن التاسع عشر الميلادي أعداد العبيد الذين تم استيرادهم من أفريقيا، وبيعهم في أميركا، من ٥٠ ألفا في العقد الواحد إلى حوالي ٤٥٠ ألفا، مع هلاك أعداد مخيفة منهم أثناء السفر (٢).

فقد كان المغامرون الأوروبيون المسلحون يجوبون أنحاء القارة الأفريقية خصوصاً غرب وشرق القارة، وتقوم العصابات الأوروبية بالهجوم على القرى الأفريقية والتجمعات السكنية. يقتلون الكبار ويسوقون أمامهم الشبان والفتيات والأطفال مكبلين في الأصفاد، ثم يسيرون بهم وهم حفاة عراة في طريق طويل بين الغابات والأحراش، يسمى طريق العبيد حتى يصلون إلى شاطئ المحيط الأطلسي في غرب إفريقيا. ومن هناك يحشرون في السفن التي تنقلهم إلى الأرض الجديدة، وفي أثناء هذه الرحلة البرية داخل إفريقيا، كان نصف العبيد يموتون من


(١) من نيويورك إلى كابول ـ محمد حسنين هيكل ص٤٨
(٢) الإمبراطورية .. كيف صنعت بريطانيا العالم الحديث؟ ـنيل فيرغسون ـ كامبردج بوك ريفيوز ـ الجزبرة نت ـ ١٦/ ٢/٢٠٠٤م

<<  <  ج: ص:  >  >>