للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

توقيع معاهدات ستؤدي كما يقول (ميشال بوغنون): "تدريجيا إلى نسج شبكة عنكبوتيه سياسية اقتصادية مالية إستراتيجية ودبلوماسية، ستوقع فيها واشنطن العالم الحر الأوروبي على مراحل" (١).

فعلى الصعيد الاقتصادي كانت بنية صندوق النقد الدولي تؤسس لهيمنة أميركية لا رجوع عنها، فأميركا تمتلك فيه حق النقض وأكثرية فعلية يسمحان لها بألا يجري التصويت إلا على ما تريد تمريره. وكذلك في المصرف الدولي الذي يتلخص دوره بتأمين الانتقال من الاقتصاديات الوطنية إلى الاقتصاد المعولم، وأميركا تهيمن عليه وتملك الأغلبية فيه. وقد شن (جوزيف سيلتزر)، الحائز علي جائزة نوبل، هجوماً عنيفاً علي صندوق النقد الدولي وبرامجه التي تحمي المجتمع الرأسمالي لبارونات المال، تلك البرامج التي جلبت الخراب والدمار لتلك الدول التي كان الصندوق يفرض عليها القبول بشروط الاقتراض والتداوي بوصفاته العلاجية المميتة. حين أجبر كلينتون إندونيسيا علي القبول بالوصفة القاتلة لصندوق النقد الدولي وكأنها منزلة من عند الله؟. وهنا يجب على (سيلتزر) أن يعلم جيداً أن المأساة لا تكمن فقط في صندوق النقد الدولي، بل في النظام الذي أوجده وأخرجه للعالم، حيث تحول الحلم الأمريكي إلي كابوس أمريكي وأوهام أمريكية. وفي نظام كهذا، فإن رأس المال أو الاقتصاد يتحكم بأرواح الأفراد والجماعات ويطغي علي أية قضايا سياسية، واجتماعية وأخلاقية أكثر أهمية لهم (٢).

وعلى الصعيد العسكري، فإن الحلف الأطلسي الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية يقوم برقابة عسكرية على أوروبا، وكان قد بدأ في العام ١٩٤٩م كأي حلف كلاسيكي يتساوى فيه الأعضاء، غير أن الولايات المتحدة فرضت نفسها كقائد وحيد للحلف بما كانت تقدمه من مساعدات ولاحتكارها السلاح النووي، حيث اتخذت أمريكا العديد من الإجراءات والوسائل للهيمنة المطلقة على الحلف، رغم الممانعة الفرنسية ولا سيما الديغولية لهذه السياسة، حيث إن أميركا كانت تتبع سياسة (فرق تسد) بين الدول الأوروبية لتنال بغيتها، وقد استعملت هذه السياسة في مواضع عدة.


(١) أميركا التوتاليتارية، الولايات المتحدة والعالم: إلى أين؟ تأليف ميشال بوغنون موردان، ترجمة: خليل أحمد خليل
(٢) إمبراطورية الشر الجديدة - عبد الحي زلوم - القدس العربي ـ ١/ ٢/٢٠٠٣م

<<  <  ج: ص:  >  >>