للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حياتها الداخلية (١). بحيث يصير المعادون لأمريكا ظاهرة عالمية بقدر عالمية الهيمنة الأمريكية (٢).

وهنا يقول مؤلف كتاب (ترهات امبريالية): "كيف يمكن أن نتوقع أن يبلع العرب والمسلمون دعمنا الأعمى واللامحدود لإسرائيل ولسياستها المتجاوزة كل قانون؟. كيف نريد من تلك الشعوب أن لا تكرهنا ونحن ندعم الأنظمة الفاسدة التي تتحكم في رقابها, على عكس كل شعاراتنا الديموقراطية وكل تغنينا بحقوق الإنسان والكرامة الإنسانية؟ كيف يمكن أن نتوقع استمرار سكوت هذه الشعوب على السياسات العقيمة التي لا تنتج إلا التطرف بعد أن نكون قد سددنا عليهم كل نوافذ التحرك السلمي والاعتراض غير العنيف؟ ". وهنا يقف المؤلف أكثر من مرة ليكرر أنه بكلامه هذا لا يبرر ما فعله بن لادن ولا يقبل أياً من مسوغاته, لكنه في الوقت ذاته فإنه لا يتردد في توجيه النقد الذاتي إلى السياسين والمفكرين الأميركيين الذين إما كانوا على درجة رفيعة من السذاجة السياسية والثقافية في تجاهلهم للنار التي تمور تحت الرماد, وإما كانوا على درجة كبيرة من الخبث أو اللامبالاة حتى بمصالح بلدهم عندما أوغلوا في سياسة الازدراء والعنجهية الخارجية. لكن سواء أكانت السذاجة أم اللامبالاة فإن الجذر الذي يرصده المؤلف يعود إلى ما يسميه (الترهات أو العجرفة الإمبرطورية) التي تفاقم تحكمها في العقلية الأميركية خلال العقود الأخيرة.

فهذه العقلية تؤمن بأن أميركا, سيدة العالم الحر, بإمكانها أن تفعل ما تشاء لأنها تريد تحقيق الخير والمصلحة للعالم ونشر الحرية والديمقراطية. وتعتقد أنها تظل تفعل ذلك حتى تحالفت مع نظم مستبدة أو قلبت أنظمة حكم ديمقراطية أو ضربت حركات تحرر تتأسس لتقاوم الظلم والدكتاتورية في بلدانها. فثمة التباس كبير في الإدراك الأميركي العام, إن على مستوى القيادة السياسية العليا, أو الرأي الشعبي العريض, في اعتبار مصالح الولايات المتحدة هي مصالح البشرية. وأن ما يستعصي على الفهم خارج إطار هذا الالتباس الفاضح مرده إلى تخلف الآخرين وراء


(١) لماذا يكره الناس أميركا? تأليف- ضياء الدين سردار وميريل واين ديفز- كامبردج بوك ريفيو
(٢) العدو الأمريكي (اصول النزعة الفرنسية المعادية لأمريكا - فليب روجيه - ترجمة بدر الدين عردوكي - المشروع القومي للترجمة عدد٨١٦ - ط١ ٢٠٠٥

<<  <  ج: ص:  >  >>