للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وصدم الصليبيون القادمون حين وجدوا أسلافهم الصليبيين قد استقروا في الشرق وتزوجوا من مسلمات وبدؤوا يندمجون في حياة الشرق ومجتمعاته، ولكنهم استنفروا مرة أخرى على يد الصليبيين الأكثر حماسة وتديناً، ولكن جيوش المسلمين كانت هذه المرة أكثر حماسة وتنظيماً بقيادة نور الدين زنكي .. وفشلت الحملة فشلاً قاسياً. وخلف صلاح الدين الأيوبي نور الدين زنكي مدشناً حرباً شاملة على الصليبيين، وأصبح الوجود الصليبي في الشرق ضعيفاً وهامشياً، فقد أوقع صلاح الدين جيوش الصليبيين في فخ بالغ الإحكام والذكاء وأباده تقريباً عن بكرة أبيه، وسقطت القدس تلقائياً بعد معركة حطين عام ١١٨٦ بيد صلاح الدين الأيوبي، وجرت بعد ذلك عمليات واسعة لإطلاق سراح بقايا الصليبيين من الأسرى وجمع شملهم بعائلاتهم، ونقلهم إلى بلادهم أو بقايا مدنهم على البحر المتوسط مثل عكا وصور. حيث إنه لم يقتل مسيحي واحد من المدنيين بعد معركة حطين، ومازال صلاح الدين موضع تقدير العالم المسيحي، ونسجت حوله الأساطير الضخمة إلى حد اعتباره أحد القديسين المسيحيين (١).

[انتهاء وفشل الحروب الصليية]

تم تجريد الحملة الثالثة (١١٨٩ـ١١٩٢) وكان على رأسها فريدريك الأول (بارباروسا) إمبراطور ألمانيا، وفيليب الثاني ملك فرنسا، وريتشارد قلب الأسد ملك انجلترا. وكان الحماس لها كبيراً في إنجلترا، ولكن هذه الحملة فشلت كغيرها من الحملات، حتى جاء عام ١٢٥٠ الذي شهد اخر الحملات الصليبية بعد ان حلت الهزيمة بجيش لويس التاسع قرب المنصورة ووقع لويس التاسع نفسه اسيراً في أيدي المسلمين ولم يطلق سراحه الا بعد ان دفع فدية ضخمة (٢). وإذا نظر دارس التاريخ إلى الحروب الصليبية من حيث أهدافها يلاحظ أنها فشلت فشلاً ذريعاً بعد أن دامت هذه الحروب حوالي قرنين من الزمان، فقد تمكنت القيادة الإسلامية من استرداد الأراضي - التي ملكها الصليبيون - شبراً شبراً، وتمكن المماليك في النهاية من


(١) الحرب المقدسة .. الحملات الصليبية وأثرها على العالم اليوم- كارين أرمسترونغ-عرض/ إبراهيم غرايبة
(٢) تاريخ اوروبا في العصور الوسطى - د. سعيد عبد الفتاح عاشور- ص ٢٣٠ - دار النهضة العربية - بيروت

<<  <  ج: ص:  >  >>