للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واحد منكم ستر لصاحبه فيما يكون بينكم من الجماع عن أبصار الناس) (١).

وهذه المعاني لا توجد في الزواج بنية الطلاق.

ويشهد لما قلنا أن المراد باللباس الدوام والاستمرار بل دوام العمر كله، قول العرب: لبست فلانة عمري؛ أي: كانت معي شبابي كله، وتقول العرب: وتلبس حب فلانة بدمي ولحمي؛ أي: اختلط، ويقال: لبست قومًا؛ أي: تحليت بهم دهرًا (٢)، فهذا معنى اللباس عند العرب يقصد به الدوام والاستمرار.

الله أكبر! ما أبلغ قوله تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ}! فإذا كانت لباسًا له يستر بها عورته، فهي إذًا تغض بصره وتحصن فرجه، فلا يطمح إلى ما حرم الله عليه فيكشف عورته وهو الساتر لعورتها، وإذا كان الرجل لباسًا لها تستر جسمها وعورتها به، فهو إذًا يغض بصرها ويحصن فرجها، فلا تطمح إلى ما حرم الله عليها فتكشف عورتها له.

وفي قوله تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ}، إشارة إلى الدوام والاستمرار كما هو ظاهر كلام العرب؛ لأن ستر العورة يراد به الستر دائمًا، إذ لو كان مؤقتًا، كنكاح المتعة أو التحليل أو الزواج بنية الطلاق، لم يحصل به الستر، وقد جاء في المثل السائر: ثوب العارية لا يستر.

لا إله إلا الله والله أكبر! ما أبلغ وما أشمل وأكمل وأعظم هذه الآية: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ}! كم فيها من معنى وبلاغة وحكمٍ!


(١) «تفسير ابن جرير» بتصرف ١٦٣/ ٢.
(٢) انظر: «لسان العرب» ٦/ ٢٠٢، ٨/ ٧٦، ١١/ ١٧٣.

<<  <   >  >>