للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بعد مدة يزول اللزوم من جهتها ويبقى جائزًا، لم يقدح في النكاح، ولهذا يصح نكاح المجبوب والعنين وبشرط يشترطها الزوج، مع أن المرأة لها الخيار إذا لم تعرف بتلك الشروط، فعلم أن مصيره جائزًا من جهة المرأة لا يقدح، وإن كان هذا يوجب انتفاء كمال الطمأنينة من الزوجين، فعزمه على الملك ببعض الطمأنينة مثل هذا إذا كانت المرأة مقدمة على أنه إن شاء طلق، وهذا من لوازم النكاح، فلم يعزم إلا على ما يملكه بموجب العقد، وهو كما لو عزم أن يطلقها إن فعلت ذنبًا، أو إذا نقص ماله، ونحو ذلك، فعزمه على الطلاق إذا سافر إلى أهله، أو قدمت امرأته الغائبة، أو قضى وطره منها، من هذا الباب.

وزيد كان قد عزم على طلاق امرأته، ولم تخرج بذلك عن زوجيَّته؛ بل ما زالت زوجته حتى طلقها، وقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: «اتق الله وأمسك عليك زوجك» (١)، وقيل: إن الله قد كان أعلمه أن سيتزوجها، وكتم هذا الإعلام عن الناس، فعاتبه الله بذلك، وقيل: بل الذي أخفاه أنه إن طلقها تزوجها. وبكل حال لم يكن عزم زيد على الطلاق قادحًا في النكاح في الاستدامة، وهذا مما لا نعرف فيه نزاعًا، وإذا ثبت بالنص والإجماع أنه لا يؤثر العزم على طلاقها في الحال، وهذا يرد على من قال: إنه إذا نوى الطلاق بقلبه، وقع. فإن قلب زيد كان قد خرج عنها، ولم تزل زوجته إلى حين تكلم بطلاقها، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل به» (٢).


(١) وقد أنزل الله عليه في هذا قوله: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} [الأحزاب: ٣٧].
(٢) رواه البخاري في صحيحه رقم (٦٢٨٧) ٦/ ٢٤٥٤، باب إذا حنث ناسيًا في الأيمان، ومسلم رقم (١٢٧) ١/ ١١٦.

<<  <   >  >>