للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أرأيت لو أن إنسانًا ذهب ليسرق متاعًا أو مالاً، ولكن لم يستطع السرقة، وآخر أمسك امرأة ليزني بها، فأحس بالرقيب، فولى هاربًا، ولم يقربها، فهل نقول: إنهما لا يؤاخذان على نيتهما؛ لأنهما لم يحصل منهما فعل؟! كلا؛ فكلاهما آثم، وإن لم يحصل منهما فعل.

يشهد لهذا ما رواه أبو بكرة رضي الله عنه، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا التقى المسلمان بسيفيهما، فالقاتل والمقتول في النار»، قلت: يا رسول الله! هذا القاتل؛ فما بال المقتول؟ قال: «إنه كان حريصًا على قتل صاحبه» (١).

ولا يقول قائل: «إن ما ذكرت حصل منهم محاولة للسرقة والزنى والقتل، والزواج بنية الطلاق لم يحصل فيه فعل.

فإنا نقول: قد حصل منه فعل، وهو بحثه عن الزوجة، وإقدامه على هذا الزواج، وتملكه المرأة بهذه النية، كل ذلك فعل وإرادة جازمة، والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقولك «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى»، قال شيخ الإسلام: «من اجتهد على شرب الخمر وسعى في ذلك بقوله وعمله ثم عجز فإنه آثم باتفاق المسلمين، وهو كالشارب، وإن لم يقع فيه شرب، وكذلك من اجتهد على الزنى أو السرقة أو نحو ذلك ... » (٢)، وقال ابن القيم: «قاعدة الشريعة أن العزم التام إذا اقترن به ما يمكن من الفعل أو مقدمات الفعل نُزَّل صاحبه في الثواب والعقاب


(١) رواه البخاري في صحيحه في مواضع عدة، أحدها في كتاب الأيمان، باب «وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما» فسماهم المؤمنين رقم (٣١) ١/ ١٢٠، ورواه مسلم في صحيحه كتاب الفتن وأشراط الساعة رقم (٢٨٨) ٤/ ٢٢١٣ كلاهما من طريق حماد بن زيد عن أيوب ويونس عن الحسن عن الأحنف بن فيس عن أبي بكرة رضي الله عنه.
(٢) «مجموع الفتاوى» ١٤/ ١٢٣، وهذا القول الذي قاله ابن تيمية رحمه الله يلزمه بالقول بتحريم الزواج بنية الطلاق.

<<  <   >  >>