للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تتمثل اليوم فظائه تينك المدينتين بالأمس. . . يخون الصديق صديقه، ويتعمد الأخ قتل أخيه. ويشاحن الزوج زوجته. ويعق الأبناء آباهم، فلا حب ولا مقة، ولا عهد ولا ثقة. أسرت الشهوات القلوب، وغلت الأهواء الأفئدة بأصفاد فولاذية فاختفت الرحمة وأسلم الحنان الروح. بهر البواصر بهاء الفضة، وخلب القلوب لمعان الذهب. فخر الناس ساجدين وأوقدوا شموع عواطفهم على مذبح الجشع الأشعبي. فما بالكم يا أهل سادوم وعامورة مسترسلين في الغرور ومنغمسين في الشرور، كأن لا صجعة في القبور، ولا حشر ولا نشور، أنسيتم باريكم أم تناسيتموه فدستم وصاياه المقدسة، أني وجدانكم يناقشكم الحساب وينخسكم بمهماز تأنيبه؟ أراكم به لا تشعرون. ولكن صوت الضمير يرن في أعماق صدوركم فترتعد النفس جزعاً وتضطرب هلعاً، فهنالك الجحيم وهنالك جهنم منك وفيكم.

تعال معي أيها القارئ نمتط مناط التصور، ونمر على بني البشر لنشاهد بعض أعمالهم. . . أترى ذلك الإنسان الذي يشبه قول عنتر:

بنواظر زرق ووجه أسود ... وأظافر يشبهن حد المنجل

ماسكاً بعنق رجل آخر وهو يقوده إلى دار القضاء ليفي الفلس الأخير، انظر هناك شخصين في مقتبل العمر متشابهي الملامح وأظنهما شقيقين. ولكن تفرس ففي يد الأكبر مدية يتعمد بها طعن أخيه. هناك رجلان يتخاصمان على بعض دريهمات لم يتفقا عليها، وهنا كهل جالس مع بغي ينظر إليها نظرة الظفر بعد أن قتل مزاحمه المضرج أمامه بدمائه.

<<  <  ج: ص:  >  >>