للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"نفختها روح الكبرياء, فظنت نفسها أرفع قدرا من والديها, فجاءت إليهم متحكمة آمرة, فإذا لم يتموا رغابئها خشنت أخلاقها, وأوقعت الاضطراب بالمنزل غاضبة على هذا, ومستهزئة بتلك, فإذا رزقت بمولود رمت به إلى المراضع منصرفة إلى زينتها ولهوها, وأنفت أن تستعمل وسائل التطريز والحياكة".

وكانت الكاتبة صادقة حين قالت:

"نحن لم نتشبه بالغربية إلا في مادة (المودة) وحدها، لماذا لا نأخذ عنها نشاطها وجدها, وتعلقها بلغتها؟ هل رأينا فتاة أوربية أتقنت لغة أجنبية قبل لغتها؟ أما نحن الشرقيات فنرى أن لغة الأجنبي دليل التقدم، والغربية بذلك تستخف بنا وتسخر".

مقال حار النفس, ملتهب اللهجة, دفع بعض القارئات إلى معارضته, فكتبت الآنسة ادماكيرلس من بيروت تقول في العدد العاشر: "إن الآنسة هدى أصابت في كل سطر من سطورها أخواتها وبنات جنسها بسهام حادة إذ أجادت وصف صاحبات اللهو والزينة, وتركت الكثيرات ممن تحلين بالفضائل, فكم من امرأة تضحي بصحتها وتحرم نفسها من كل ملاهي الحياة لتسهر على حاجة منزلها وتربية أولادها, وهي حين تتبع (المودة) تعتدل دون إسراف، أما تقليد المرأة الغربية فالذنب في ذلك يرجع إلى الرجال فهم يعظمون لابسات البرنيطة. والمتكلمة بلغة أجنبية والمقلدة للغربية في حركاتها ومشيتها, فعلى الرجال أن يمدوا يد المساعدة لنا, لنرافقهم في طريق الفلاح ولا نكون عبئا ثقيلا عليهم".

ولم تسكت الكاتبة الأولى عما وجه إليها من مآخذ لا تراها صحيحة في مضمونها, فاندفعت الآنسة (هدى) إلى الرد بمقال مستفيض نشر بالجزء الحادي عشر يناير ١٩١١ م فأثنت على الكاتبة وقالت: "إنها لا تعارض الزينة المعقولة, ولكن المندفعات بالنسبة إلى المعتدلات كثرة كاثرة واللاتي يضحين بملاذّهن في سبيل سعادة الأسرة من المتعلمات عدد قليل لا يبلغ عشرة في المائة بالنسبة للاهيات, وقد ضج الآباء في سبيل ردع اللاهيات دون جدوى, وكم من أب يترحم على العهد الماضي حين يري ما يشاهد من التبذل, ونظرة إلى الجرائد السيارة التي تضج من ذيوع الترف الكاذب, والانغماس في حمى التقليد الضار ترينا الدليل القاطع .. ".

ومن هذا الوادي ما نشر بالعدد التاسع تحت عنوان (المقيَّدات) وهن اللاتي يسرفن في الأناقة وتضييق الخطو في الطريق تحت ثقل القبعات المليئة بالزهر, والثياب المضغوطة بالحزام, والحذاء الضيق ذي الألم المحتمل لأجل المظهر, حتى أصبحت الفتاة من هؤلاء ترسف رسف المكبل بعد أن كانت تسرع كالحجل". وقد أوحي هذا المقال الناقد للشاعر الإسكندري خليل شيبوب قصيدة متهكمة نشرت بالعدد التالي, تحدث فيها عن المرأة المتصونة في القديم فأطراها إطراء مشجعا. ليكر على أختها المسرفة في الزينة فيقول:

قم بي أريك الآن كيف تغيرت ... تلك العهود وبدلت تبديلا

وتشوهت تلك الخدود وأصبحت ... تلك النهود بما حشين تلولا

قد ضيقت خصرا يذوب وعرّضت ... كفلاً بتنفير النفوس كفيلا

ومشت مقيدة الخطى فكأنما ... (ركب الكمى جواده مشكولا)

وتكاد تسقط إن رنت وإذا مشت ... شِمْتَ الأسير مصفدا مغلولا

<<  <  ج: ص:  >  >>