للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ذكي مطاع خسيس أصمّ الضمير , مستبيح كل محرم , مستهين كل منكر في سبيل غايتهِ كيف صرف شكسبير قريحته العجيبة في ألوف الجزئيات التي تؤدّي إلى تصوير الغرض الكلي والغرضين الملحقين به؟ ذلك ما يقف عليهِ القارئ من مجرَّد مطالعته للرواية فإنهُ يشعر قليلاً قليلاً إن الأسماء تمحي وتستبدل بأشخاص مقوَّمين في أصلح تقويم لكل منهم ويدخل متدرّجاً من الوهم في الحقيقة فيرى وهو يسمع ويسمع وهو شاهد مَشاهد مما ألفهُ في الحياة لا يردّه إلى كونهِ قارئاً سوى انتهائهِ إلى دفة الكتاب ومن جهة هذا التصوير الأخَّاذ الذي يصوّر بهِ شكسبير الحقيقة رأى بعض جهابذة النقاد أن ذلك الأستاذ العظيم يبالغ فيهِ مبالغة قد يجاوز معها الحدود التي يرسمها الفن. صدقوا ولكن هل كانت عبقرية هذا الرجل لتحد بحدود , وهل مثل العقل الذي روقهُ كان مما يقيد بقيود؟ الشاعر الذي افتتن فكتور هوجو بغرابة شعره , ووجد عند فراسته وطلاقته وقوَّة تمثيله للمعنويات بالحسيات , مبدأ المذهب الحرّ الذي ذهب إليهِ فيما بعد هو وأضرابه وأصبح سنَّة الكتاب في العالمين الكاتب المنقّب

المتعمق في مظاهر الخلائق ومضمراتها مع قدرة على المحاكاة ومهارة في الاختيار وبراعة في التأليف وسلطة على اللفظ يستدني بهِ أبعد المعاني ويقيد أوابد الوجدانات , الذي أعجب بهِ المؤرخ الفيلسوف تاين وناهيك بألوف المعجبين غيره من قبله ومن بعده الأديب الذي تترجم مكتوباته على وفرتها إلى كل لغات الدنيا , وفي بعض اللغات كالفرنسوية تكثر تلك الترجمات وتتنوع ويجيز إحسانها المجمع الأدبي الأكبر كما أجيزت ترجمة مونتيجو وليتورنور وغيرهما فتطلع الأمم المختلفة الألسنة والأجناس والأذواق والملل والنحل على مكتوباتهِ سواء في أصلها أو في غير أصلها , وتقرّها في أعلى منزلة عندها لجمعها المُذهب والمطرب إلى المفكه والمفيد والمبكي والمضحك إلى الزاجر والمؤنس

<<  <  ج: ص:  >  >>