للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مما هي عليهِ في هذه العصور المتأخرة؛ وكان الهواء أجف من هذا السكاك , وأحرَّ منهُ؛ وكان أجدادنا الفضلاء أصحاب جدٍّ وكدٍّ وجلَد وقناعة سامية يا قومي , إن حواسّي وإن كان قد فلَّ غربها , وكلَّت شباة ذاكرتي , إلاَّ أني أؤكد لكم أن هذا النجم المتلألئ المجيد , يتحرَّك ويسير. ولقد رأيتُ بزوغهُ الأول من ورآه قمة هذا الطود الباذخ , ونشأتُ في الوقت الذي أخذ يرتفع رويداً رويداً على الأفق , ويخطو بعد ذلك في السماء خطوات جبَّارٍ عنيد من أعظم الجبابرة قوةً وحولاً وطولاً وهولاً. ولقد تقدَّم في السماء تقدُّماً حثيثاً مدة إعصار متطاولة متتالية , وهو يقذف حرارةً غريبة , وأنواراً عجيبة , لا يمكنكم أبداً أن تتصورها , إن لم تروها بعيونكم؛ بل ما كان يمكنكم أن تحتملوا أمريهِ الأمرين أما الآن , وقد قارب الأُفول , وإن يوارى في قبور المياه , أرى أن أفراد هذه الأمة كلها سائرة , بل صائرة إلى الزوال والاضمحلال الوشيك , وتسجَّى هذه الدنيا الغرور بأكفان الظلمات , في أقلّ من مائة من الدقائق واحرَباه! يا أصدقائي , واحرباه! ما أعظم ما كان غروري في سابق العهد , في عنفوان شبابي , وغضاضة إهابي! كنتُ إخالني من الخالدين المقيمين في هذه الأرض! وإن ليس من شيءٍ في هذه الدنيا يستطيع أن يتغلّب عليَّ , ويُفنى جواهر بدني , وعناصره المتركب منها! وكنت إذا نظرت إلى مساكني التي كنت قد نحتّها في الصلصال

<<  <  ج: ص:  >  >>