للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أين اسكندرٌ وأين هِرَقْلٌ ... أين نمرود أين ذو الأوتادِ

أين قارون أين فرعون موسى ... أين كسرى وقيصر ذو الآدِ

أين من كتّبوا الكتائبَ للحر ... ب وصالوا بالمرهفات الحدادِ

أين من كانوا يحرصون على الما ... ل ومن كان كعبةَ القصَّادِ

هذه دورُهم تجيبك عنهم ... لو يجيب الجمادُ صوت المنادي

صرعتهم كأسُ المنون ولّما ... يستفيقوا حتى ليوم التنادي

وغدوا يُحملون من بعد عرش ال ... ملك في موكب على الأعوادِ

وغدا ما لهم وما جمّعوهُ ... للأعادي إرثاً وللحسَّادِ

وجفاهم أخوانُهم وبنوهم ... وجميع الحجَّاب والقوّادِ

وثووا في القبور من بعد ما كا ... نوا بعالي القصور كالأطوادِ

واستقروا في ضيّق اللحد يا س ... عدَ مقرّ السيوف في الأغماد

ورضوا بالتراب بعد فراش ... من حريرٍ مؤثرٍ ووسادِ

جمعتهم دارُ المنونِ جميعاً ... وهمُ من قبائل وبلادِ

فغدا الضدّ يألف الضدّ طوعاً ... وغريبٌ تآلف الأضداد

ومليك الزمان منهم له الدو ... دُ نديم بعد الحسان الخرادِ

فإذا كان هذا مسير الإنسان ومصيره , فينبغي للعاقل أن ينظر إلى الدنيا نظر معتبر , وإن يجعل مقامه فيها مقام مسافر , نزل دارها اليوم ويرحل عنها غداً. وإن يحاذر منها كل الحذر , لأنها عدوّ في ثيابِ صديق , وإن يبذر فيها ما طاب غرسه , وزكا أصله , ونما فرعه , وأينع ثمره , وحلا ذوقه , واعذوذب طعمه. لأنها مزرعة الآخرة , والمرء يحصد ما زرع. وإن لا يحزن على شيء فاته منها , ولا على شيء انقطع عنه بعد ما أصابه منها , بل ينبغي له أن ينزل ما أصاب منها , منزلة ما لم يصب. لأن جوهرّها عرض زائل , وكسبها خسران مبين. وإن لا يتزوّد من الدنيا إلاّ

<<  <  ج: ص:  >  >>