للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أستطع. وزادني تشبثاً في رأيي هذا أنَّ فؤاداً لم ينكر الجريمة كلَّ الإنكار فقط , بل بكى بُكاءً مرّاً حين درى بها إشفاقاً منهُ وحناناً على أدماء. وقد جرَّب إقناع رجال التحقيق بأنَّ تهديدهُ لحبيبتهِ لم يكن إلاَّ تهديداً كاذباً حاول أن يتعلَّق بهِ , وهو آخر سلاح كان قد بقيَ لهُ , كما يحاول الفريق التعلُّق بالطحلب في الماءو وأن عزمهُ على السفر لم يكن إلاَّ يأساً وقنوطاً لأن نفسه لم تكن تطيق أن يرى أدماء لسواه. على أنَّ كل ذلك لم يفدهُ شيئاً , بل أحالتهُ النيابة العمومية على محكمة الجنايات ليحاكم أمامها كقاتل متعمد. وراجعتُ نفسي مراراً في إتهام الخواجة سليم خوري فما ازددتُ إلاَّ اعتقاداً بكونهِ الجاني الأثيم. فقد تبيّنتُ أموراً جديرة بالاعتبار , أغفل وكيل النيابة بعضهاو وحملَ بعضها الآخر على محامل شتى. من ذلك: أنَّ الخادمة عرفت السكّين التي طُعنت بها أدماء أنها سكّين مطبخها , مما دلَّني على أنَّ اليد التي استعملها وصلت إلى مكانها بدون عناء. وهل يُعقل أنَّ قاتلاً متعمداً يجيء

ليقتل , تحت جنح الليل , فيجيء بدون سلاح على نيَّةِ أن يجد لهُ سلاحاً ما في المكان الذي نوى الجناية فيهِ؟ ومن ذلك أنَّ الجاني كان على يقين من أن أدماء لا تقفل بابها من الداخل في الليل. وأنَّي لغريبٍ عن المنزل أَن يكون على بيّنةٍ من هذا الأمر؟ ومن ذلك ايضاً أنَّ سليماً كان يحسب الطعنة قاتلة؛ فلما فأجاهُ الطبيب بقوله إنَّ أدماء حيَّة لم تمت , أجفل في مكانهِ إجفال مؤملٍ بوغِتَ بضياع أملهِ. ومن ذلك أخيراً تبدو عليهِ في أقوالهِ وحرركاتهِ جميعها. فكلَّ ذلك قوَّي اعتقادي بأنَّ اليد التي جنت إنما هي يدُ سليم دون سواه. ولكنَّ إقدامي على إتّهام الرجل في الأيام كان مجفوفاً بالخطر. فالبيّنات على خطورتها كن يمكن دحضها بمثلها. ولذلك عوَّلت بعد التفكير الطويل على كتمان شكوكي في نفسي , مع مواصلة التحرّي الدقيق. وكان أوَّل خاطر خطر لي أن أبحث عن ماضي سليم وتاريخهِ في

<<  <  ج: ص:  >  >>