للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تقضي على المرء الليالي أو لهُ ... فالحمدُ من سُلطانِها والذَّامُ

من عادةِ التأريخِ ملءُ قَضائِهِ ... عدلٌ , وملءُ كِنانتَيهِ سَهامُ

ما ليسَ يدفعُهُ المهنَّدُ مُصلَتاً ... لا الكُتْبُ تدفعُهُ ولا الأقلامُ

أنَّ الأُلى فتحوا الفُتوحَ جلائلاً ... دخلوا على الأسُدِ الغِاضَ وناموا

هذا جناهُ عليكمُ آباؤُكم! ... صبراً وصفحاً , فالجُناةُ كرامُ

رفعوا على السيفِ البناَء فلم يَدُمْ ... ما للبناءِ على السيوف دَوامُ

أبقي الممالكِ ما المعارفُ أسُّهُ ... والعدلُ فيهِ حائطٌ ودعامْ

فإذا جرى رشَداً ويُمناً أمرُكم ... فامشوا بنورِ العلمِ فهو زمامُ

ودعوا التفاخرَ بالتُّراث وإن غلا ... فالمجد كَسْبٌ والزمانُ عصامُ

إن الغرورَ إذا تملَّكَ أمَّةً ... كالزَّهرِ يُخفي الموتَ وهو زؤامُ

لا يعدلنَّ المُلكَ في شهواتِكم ... عَرَضٌ من الدنيا بدا وحُطامُ

ومناصبٌ في غيرِ موضعِها كما ... حلَّت محلَّ القدرةِ الأصنامُ

الملكُ مرتبةٌ الشعوبَِ , فإنْ يفتْ ... عزَّ السيادةِ فالشعوبُ سوامُ

ومن البهائِمِ مُشبَعٌ ومدلَّلٌ ... ومن الحريرِ شكيمةٌ ولجامُ

وقف الزمانُ بُكم كموقفِ طارق ... اليأسُ خلفٌ والرجاءُ أمامُ

الصبرُ والإِقدامُ فيهِ إذا هُما ... قَتَلاَ , فأقتلُ منهما الإِحجامُ

يُحصي الذليلُ مَدى مَطالبِهِ ولا ... يُحصي مَدى المستقبَلِ المِقدامُ

هذي البقيَّةُ , لو حرضتم , دولةٌ ... صالَ الرشيدُ بها , وطالَ هشامُ

قِسمُ الأئمَّةِ والخلائفِ قبلَكم ... في الأرضِ لم تُعدَلْ بهِ الأقسامُ

سرَتِ النبوَّةُ في طَهورِ فَضائهِ ... ومشى عليهِ الوحُي والإِلهامُ

وتدفَّق النَّهرانِ فيهِ , وأزهرت ... بغدادُ تحت ظِلالهِ والشامُ

أثرتْ سواحلُهُ , وطابت أرضُهُ ... فالدرُّ لجٌّ , والنُّضارُ رغامُ

شَرَفاً أدِرْنَةُ! هكذا يقِفُ الحمى ... للغاضبينَ , وتثبيُ الأقدامُ

وتردُّ بالدمِ بُقعةٌ أُخِذتْ بهِ ... ويموتُ دون عرينهِ الضَّرغامُ

والمُلكُ يُؤخذُ أو يُرَدُّ ولم يزْل ... يرِثُ الحُسامَ على البلادِ حُسامُ

عِرْضُ الخِلافةِ ذادَ عنهُ مجاهِدٌ ... في الله غازٍ , في الرسولِ هُمامُ

تستعصِمُ الأوطانُ خلف ظُباتِه ... وتعزُّ حولَ قَناتهِ الأعلامُ

عثمانُ في بردَيهِ يمنعُ جيَشهُ ... وابنُ الوليدِ على الحمى قوَّامُ

عَلِمَ الزمانُ مكان شكري وانتهى ... شكرُ الزمانِ إليهِ والإِعظامُ

صبراً أدِرْنَةُ! كلُّ مُلكٍ زائِلٌ ... يوماً ويبقى المالِكُ العلاَّمُ

خفَتَ الآِذانُ فما عليكِ موحِّدٌ ... يسعى , ولا الجُمَع الحسانُ تُقامُ

وخَبتْ مساجدُ كُنَّ نوراً جامِعاً ... تمشي إليهِ الأسْدُ والآرامُ

يدرجنَ في؛ َرمِ الصلاةِ قوانتاً ... بيضَ الإزار كأنهنَّ حَمامُ

وعفَت قبورُ الفاتحينَ , وفُضَّ عن ... حُفَرِ الخلائفِ جندلٌ ورجامُ

نُبشت على قَعساءِ عزَّتها كما ... نُبشت على استعلائها الأَهرامُ

في ذمَّةِ التأريخ خمسةُ أشهرٍ ... طالت عليكِ , فكلُّ يومٍ عامُ

السيفُ عارٍِ , والوباءُ مسلَّطُ ... والسُبْلُ خوفٌ , والثلوجُ ركامُ

والجوعُ فتَّاكٌ , وفيكِ صحابةٌ ... لو لم يجوعوا في الجهادِ لصاموا

<<  <  ج: ص:  >  >>