للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جهلوا مُرادَك , والعقولُ مراتبٌ ... والناسُ بالأَلبابِ والأَذهانِ

أكبرت رزَء العقلِ حينَ رأيتهُ ... رهنَ العمى , وغضبت للإنسانِ

تجري الأُمورُ وليسَ يُعلمُ كنهُها ... وهو المرادُ بهذهِ الأَكوانِ

ويُقادُ أعمى في الحياةِ وبَعَدها , ... والدَِينُ والدُنيا لهُ عَينانِ

كلٌّ لهُ ذِكرى , وكلٌّ عِبرةٌ ... تجلو اليقينَ وصادقَ الإيمانِ

فلئن حُجبتَ عن الغيوبِ فإِنَّها ... لله ذي الجَبروتِ والسُلطانِ

أعلى لكَ الغرُفاتِ يومَ لقيتَهُ ... وحَباكَ ما تبغي من الرّضوانِ

فرأيتَ منزِلةَ العليم وأجرَهُ ... وحمدتَ عُقبي العلمِ والعرفانِ

شُغفتْ بكَ الدنيا تُريدُك وامقاً ... وشُغِفتَ بالإِعراضِ والهُجرانِ

تجلو زخارفَها فتُغمضُ دونَها ... عينَ الحكيم , وتنثني بأمانِ

فتنت محاسِنُها العقولَ , ولم تزلْ ... في حيَرةٍ من عقلِكَ الفتَّانِ

صارمَتها وكشفتَ عن سوائِها ... ليُفيقَ مختَبلٌ ويُقصرَ عانِ

وصددتَ عن صلفِ الملوكِ وكبرِهم ... متعالياً عن ذِلَّةٍ وهَوانِ

أغناكَ عن آلائِهم وهباتِهم ... انَفُ الشّريفِ وعِفَّةُ المتغاني

ورضيتَ بيتَك هازئاً بقصورهم ... وجليلِ ما رفعوا من البُنيانِ

بيتٌ أنافَ على الكواكبِ رِفعةً ... فدنا يمسِّحُ رُكنَهُ القَمرانِ

لم يحكهِ كيوانُ في عَليائهِ! ... بيتُ الحكيم أجلُّ من كيوانِ

لو رُدَّ كسرى , أَو تأَخرَ عصرهُ , ... فأذنتَ , حجّ إليكَ بالإِيوانِ

لو كنتما منّي بحيثُ أراكما ... لَلَثمتُ تربكما إِذاً فشفاني

فحمَدتما في الطائفين ضَراعتي ... ورفعتما في الخالدينَ مكاني

خيرُ المناسِكِ حلَّ حيثُ حللتُما ... للناسكينَ وأنتُما الحرَمانِ

أُوتيتَ من أخلاقِ ربِّك رَحمةً ... لم يُؤتَها بشرٌ , وفرطَ حنانِ

أشفقتَ من وطءِ التراب على الأُلى ... غالَ التُّرابُ , وكلُّ حيٍ فإنِ

يمشي الفتى يختالُ فوقَ رفاتِهم ... جذلانَ فعلَ الشاربِ النشوانِ

الجوُّ أرواحٌ تَفيضُ وأنفسٌ ... والأرضُ من رممٍ ومن أكفانِ

عفتَ الأذى ونَهيتَ عن مكروهِهِ ... وأَمرتَ بالمعروفِ والإِحسانِ

ورحِمتَ حتَّى الوحشَ في فَلَواتِها ... وحميتَ حتَّى الطيرَ في الأوكانِ

ورثيتَ للشاكينَ من بلوائِهم ... فحملتَ ما حملُوا من الأحزانِ

ومسحتَ دَمعَ النائحاتِ معزّياً ... فكففنَ عن نوحٍ وعن إِرنانِ

ونسينَ من هَول الفجائع ما مَضى ... وسلَونَ بعد تعذُّر السُلوانِ

شَرعٌ بُعثتَ بهِ , ودينٌ لم تَقمْ ... فيهِ لغير الواحدِ الديَّانِ

بُوركتَ في دين المسيحِ وأَحمدٍ ... ومُدِحتَ في الإِنجيلِ والقُرآنِ

الشرقُ معتزٌّ بفضلِكَ معجَبٌ ... والغربُ مُغتبِطُ بذكرِكَ هاني

أملأ بحكمتِكَ المسامِعَ والنُهى ... واحكمْ فما شيءٌ سوى الإِذعانِ

ما زلتَ من قبلِ المماتِ وبعدِهِ ... شيخَ النُهى وحكيمَ كلِّ زمانِ

الأرضُ حافِلةُ كعهدِكَ بالأذى , ... والناسُ فَوضى , والحياةُ أماني

[الشباب والمشيب]

آثارُ عِينِكِ في الفُؤَادِ كُلومُ ... ترمي فَينفذُ سهمُها المسمومُ

لا أنتِ ظالمةٌ , ولا بكِ قسوةٌ ... أنا في معارضةِ النبالِ مَلومُ

ما لي أُخاطِرُ , والمنيَّةُ مثقلةٌ ... نجلاءُ أو كشحٌ أقبُّ هضيمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>