للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أرمي فأخطئها وَيقرعُ سهمُها ... قلباً تشكُّ سوادَهُ فَيهيمُ

باتت مغاضِبةً , وبثُّ كأننَّي ... من طول ما أَهذي بها محمومُ

نامت , ولي عَيْنٌ تساقَطَ هدبُها ... سُهداً , وأُخرى دمعُها مسجومُ

نَظرت فأغضبَهَا المشيبُ , وإِنَّهُ ... ذّنبٌ إلى البيضِ الحسانِ عَظيمُ

إني , وإن ودّعتُ عهدَ شبيبتي , ... لأُسامُ حاجاتِ الصِّبي وأسومُ

لي في الهوى كِبدٌ تذوبُ , ومهجةٌ ... حَرَّى , وقلبٌ مُوجَعٌ مكلومُ

وسمُ المشيبِ بعارضَيَّ ظَلامةٌ ... شنَعاءُ سُنَّ لمثلِها التحكيمُ

نَفذَ السنينَ عليَّ , وهيَ منيعةٌ ... كُثرٌ تظاهرَ سردُها الملمومُ

ما زلتُ أدَّرعُ الحياةَ وأحتمي ... حتَّى استُبيحَ شَبابيَ المَظلومُ

مُلْكٌ أحاطَ بهِ المشيبُ , فتاجُهُ ... رثُّ الجَلالِ , وعرشُهُ مَهدومُ

تلهو الحياةُ بنا , ونلهو بالمُنى ... ومُنى النفوسِ وسَاوسٌ وهُمومٌ

هيَ دولتانِ: فللشبيبةِ دَولةٌ ... تهوي , وأُخرى للمشيبِ تقومُ

كلٌّ على حينٍ , وكلٌّ زائِلٌ ... إِنَّ الفناَء مواشِكٌ محتومُ

بَيني وبينَ الأَربعينَ مَفازةٌ ... فيها لناجيةِ السنينِ رَسيمُ

تهوِي بمخترقِ الدُّهورِ يحثُّها ... حادٍ بأسرارِ الدُّهورِ عليمُ

حَمَلت إليّ من الغُيوبِ رِسالةً ... يُعيي المنجّمَ سِرُّها المكتومُ

كَذِبَ المنجّمُ ليسَ يعلمُ ما طوت ... حُجُبُ الغيوبِ كواكبٌ ونُجومُ

فَلئِن حَييتُ لأَعَلمنَّ خَفيَّها ... ولئِن قضَيتُ فنَّني لزعيمُ

هزَمَ السلوُّ هوَى التي لم أَسلُها ... يومَ استقلَّ المهزومُ

ناشدتُها أيَّامَ تَسمحُ لي ضُحىً ... فتكونُ صَيدي والظلامُ بَهيمُ

أسمو لها والنجمُ في فَلَكِ الدُّجى ... حيرانُ يَغرقُ مرَّةً ويَعُومُ

وأَشقُّ عنها الخِدرَ يهدرُ دونَه ... عَجِلٌ إلى حَدِّ الحُسامِ غَشومُ

إِن تُنكري وَضَحَ المَشيبِ بلمَّتي ... فلقد تكون ولَونُها يَحمومُ

أو تُعرِضي عنّي الغداةَ , فربَّما ... أعرضتُ عنكِ ومفرِقي ملثومُ

بِيني كما بانَ الشَّبابُ , كلا كما ... شَجَنٌ لنفسي في الحياةِ مُقيمُ

يا ساقِييَّ , وما قَرعتُ كؤوسَها ... إِلاَّ ليُقلِعَ همّيَ المركومُ

مَا لي أُتابُعها , وقلبيَ ثائرٌ ... هيَمانُ تلفحهُ جوانحُ قيِمُ

هل تعلَمانِ لما أُعالجُ شافياً؟ ... فلقد عَبيتُ , وإِنني لحكيمُ

وشكيَّتي سَفَهُ الزَّمانِ , وأنَّهُ ... وغْدُ الحوادثِ والصروفِ لئيمُ

أشكوهُ ما قصرَت يدايَ وفاتَني ... ما أبتغي من حاجتي وأرومُ

ما لي سوى الإِصلاح من أربٍ , وما ... في شرعتي أَن يُحمدَ المذمومُ

ألحقُّ حقٌّ لا سبيلَ لردِّهِ ... ولوَ أنَّ أفلاكَ السماءِ خُصومُ

والناسُ عندَ خِلالِهم وفعالِهم ... ألوغدُ وغدٌ , والكريمُ كريمُ

[النفس الأبية]

ذكرتُ الهوى أيامَ يصفو فنَحتسي ... ويضفو الصّبَي عن جانبيَهِ فنكتسي

نُقَضّي مُنانا مِن رياضٍ وأوجُهٍ ... ونَشفي صَدَانا من شِفاهٍ وأكؤُسِ

لذاذاتُ عيشٍ صالحٍ كنَّ أنعُماً ... فأُعقبنَ من حدْثانِ دهرٍ بأبؤُسِ

طَوينا بقاياها ففضت من الأسى ... بقايا قلوبٍ جازعاتٍ وأنْفُسِ

خَلَتْ أربُعُ الأهواءِ إلاَّ من البِلي ... يُعفّي بها آثارَ مَلْهىً ومَجلسِ

<<  <  ج: ص:  >  >>