للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَعوَّضتُ عنها بالياً بعد مونقٍ ... وبُدّلتُ منها مُوحشاً بعد مؤنِسِ

ألا هلْ لأَيَّامِ الشبيبةِ رجعةٌ ... فأطمعَ في ماضٍ من العَيشِ مؤنِسِ

تَمَتَّعْتُ من دَهري بظبيٍ مربّبٍ ... فقد عادَ يرميني بسِيْدٍ عَمَلَّسِ

أقولُ لنفسي , والأسى يستثيريُها: ... مكانَكِ إِنَّ النفسَ بالنفسِ تأتسي

ألم تَعلمي أنَّ الزمانَ بأهلهِ ... يدورُ , وأن الصَّفْوَ نغبةُ محتسِ؟

متى تطلبي ما ليسَ للجَّهر شيمةٌ ... تُعاقي عن الأمرِ المَرومِ وتُحبسي

أجدَّكِ هل تقضين كلَّ لبُانةٍ ... بطول التمنّي , أو بطولِ التلمُّسِ؟

إذا الحاجُ لم تُقْدَرْ فليسَ بنافعٍ ... تقحُّمُ إِصليتٍ وإِقدامُ مُدْعسِ

صرفتُ رجائي عن مطالبَ جمَّةٍ ... وليسَ الذي يرجو المحالَ بكيّسِ

وعفتُ الدَّنايا , فاحتفظتُ بمنصبي ... وأبقيتُ عِرْضي طاهراً لم يُدَنَّسِ

سجيَّةُ حُرِّ النفس لا متعرّضٍ ... لعوراَء يَبغيها ولا متمرّسِ

كريمٍ متى ما يَعْدُ كَفَّيهِ مُنفسٌ ... يُدِلَّ بأغلى منهُ قدراً وأَنفَسِ

وما فاتني غثنمٌ إذا عَفَّ مطمعي ... وعُرذيَ من سوءِ الأحاديثِ مَلبسي

إذا ضرَّسَ اللؤمُ الوُجوهَ فشانَها ... بقيتُ ووجهي وافرق لم يُضَرَّسِ

وما راعني إلاَّ حسودٌ يَعيبُني ... على ما يرى من طيبِ عُودي ومَغرسي

لقد عجمَتني الحادثاتُ , فلم يَلِنْ ... مَجسّي على بُؤْس الحياة وملمسي

أخوض الخطوبَ السودَ غير منكّبٍ ... وألقى المنايا الحمرَ غيرَ معبّسِ

وأسمو إلى العاني أُفرّجُ هَمَّهُ ... إذ ما عَنتهُ كُربةٌ لم تُنَفَّسِ

ولم تُخزِني في مشهدٍ ألمعيَّتي ... ولا خانني رأيي وصدقُ تفرُّسي

ولستُ كساعٍ بالأَباطيل والرُّقى ... إلى الناس يُزجيها بِضاعةَ مُفلِسِ

متى ما أقلْ قولاً فلسْتُ بكاذبٍ ... أًصادي بهِ نفعاً , ولا بِمُدلِّسِ

تعوَّدَ مني الدهرُ شيمةَ فاضلٍ ... وما اعتدتُ منهُ غيرَ شيمةِ مومسِ

كلانا على ما استنَّ جارٍ , ومن يُقَدْ ... إلى الشيمةِ العسراءِ يُعْصَ ويُشمسِ

وأعلمُ أنّي ما حييتُ مُقَلّبٌ ... فؤادي وعيني في ضياءٍ وحَندسِ

[حفني بك ناصف]

هو من شعراء هذا العصر المجيدين , ولعله أكثر الأدباء إطلاعاً على تاريخ أدبيات اللغة. تولى القضاء زمناً فعرفه الناس عالماً متشرّعاً كما عرفوه شاعراً قديراً. على أنه يميل في غالب شعره إلى المباسطة فيوردها بقالب جيد منمق.

[على البحيرة]

سَلِ المَها بين إِفيانٍ ولُو زانِ ... ماذا فعلنَ بقلبِ المُغرمِ العاني؟

إِذْ كُنَّ في الفُلْكِ كالأقمارِ في فَلَكٍ ... يُشْرِفنَ فيهِ على ألعابِ نيرانِ

فكم من الأرضِ سهمٌ للسماءِ , وكم ... سهمٌ تسدَّدَ لي من تحتِ أجفانِ

يعلو البُحيرةَ من نيرانِها شَرَرٌ ... كزفرتي حين يجري مَدْمَعي القاني

يذهبنَ بالفُلْكِ أيماناً ومَيسرةً ... فيها , ويَطرَبنَ من توقيعِ ألحانِ

سِرْبٌ يُغنّينَ بالأفواهِ مُطربةً ... وَثُلَّةٌ بِرَباباتٍ وعيدانِ

والوُرْقُ في الشاطئ الأدنى تجاوِبُها ... تُبدي أفانينَ شَدْوٍ بينَ أفنانِ

[عيون وعيون]

أرجِعُوا لي يا غِيدَ ماريمباد ... مُهجتي قبلَ عَوْدتي لبلادي

إِنني قد شَدَدتُ رحلي وأهلي ... في انتظاري , فأطِلقُوا لي فؤادي

<<  <  ج: ص:  >  >>