للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[طانيوس عبده]

هو شاعر ناثر متفنن في كلتا الصناعتين , جيد الملكة , لطيف التخيل , عصريّ المعنى , مستعذب اللفظ , نظم كثيراً , وكتب أكثر , وأكسبته رواياته شهرة بعيدة بين قراء العربي , وأنزله شعره منزلة كريمة بين أمائل الشعراء

[حديث قديم]

أتيتُ فألفَيْتُها ساهِرَة ... وقد حَمَلَتْ رأسَها باليَدينْ

وفي صدرِها زهرةٌ ناضِرَة ... رأيتُ بأطرافِها دَمعتَينْ

وقد وقفتْ دمعةٌ حائِرَة ... على خدّها مثلَ ذَوبِ اللُّجيَنْ

فقلتُ على مَ لبكا والحَزَن؟ ... وكيفَ تبدَّلَ ذا الاِِبتسامْ؟

فقالت: هوَ الدهرُ لا يُؤتَمَنْ ... وفي قوسهِ منزعٌ للسّهامْ

رضيتُ الذكاءِ رضيتُ الحسَبْ ... رضيتُ اليراعَ يخطُّ العَجَبْ

فلا نسَب اليومَ غيرُ النَّشَبْ ... وإِنَّ بُكائي لهذا السَّببْ

فقلتُ: على مَ عزمتِ إِذَن؟ ... فقالت: ومدَّتْ يداً للوئامْ

إذا أنا ما صُنتُ عهدي فَمَنْ؟ ... فقلتُ: ومثليَ يرعى الذّمامْ

وكان الفِراقُ وكانَ التَّدانْ ... تَدَاني الفؤادِ وهجرُ الجسَدْ

يمرُّ بنا الشوقُ في كلِّ آنْ ... فيخطفُ من صبرِنا ما وَجَدْ

إلى أن تحجَّرَ صدرُ الزمانْ ... وخلْنا الفِراقَ فراقَ الأبدْ

فلمَّا شفعنا إليهِ فَحنّ ... وأسهرَ أجفانَنا ثمَّ نامْ

رأت ورأيت ُمِثالَ الشَّجَنْ ... تجسَّمَ في هيكلٍ من عِظامْ

وكان نَدَى الطّلِّ فوق الشَّجَرْ ... يسيلُ فيُبكي عيونَ الورَقْ

وقد عِلَقت نُقَطٌ بالثَّمَرْ ... كما وَقَفَ الدمعُ تحت الحَدَق

فقلتُ انظري الطير كيف استَترْ ... ونَوَّحَ يندبُ عهداً سَبقْ

فقالت تنقَّلَ فوقَ الفَننْ ... وليس جواهُ جَوى مُستهامْ

أليسَ التنقُّلُ في شرعِ مَنْ ... يُحبُّ حرامٌ؟ فقلتُ حَرامْ

أُحبّكِ لا لجمالٍ وُصِفْ ... فكانَ الرسولَ إلى كلّ قلبِ

ولا لكمالٍ بهِ تَتَّصِفْ ... صِفاتُكِ في كلّ صوبٍ وحَدبِ

ولا لذكاءٍ عجيبٍ عُرِفْ ... فكانَ السبيلَ إلى كلِّ عُجبِ

ولكنَّ هذا الفؤادَ افتَتن ... بأنتِ وأنتِ المثنى والمرامْ

وكلُّ الذي فيكِ حلوٌ حَسَنْ ... وكلُّ الذي بفؤادي هُيامْ

سلامٌ على روحِكِ الطاهِرَة! ... سلامٌ على سِرِّ ذاك الكمال

سلامٌ على ذاتكِ الحاضِرَة ... بقلبٍ يَراها بعينِ الخيالِ

سلام على مُهجةً طائِرَة ... حنيناً إلى ذلكَ الاتّصالِ

تُفَرِّقُنا عادياتُ الزَّمَنْ ... وتجمَعُنا حادثاتُ الغَرامْ

فنحيا جُسوماً بهذي الفِتَنْ ... ونحيا نفوساً بذاك السلامْ

[بنتي ودوائي]

تطوفُ في البيتِ مثلَ ال ... عصفورِ تطلبُ حَبَّا

حتى التقتْ بإناءٍ ... فيهِ الأرزُّ تخبَّا

تناولتهُ وألقتْ ... بهِ إلى الأرضِ غَضبى

وراعَها ما أتتْهُ ... فأسرعتْ تتخبَّا

حتى إذا صارَ أمناً ... ذاك الذي كان رُعبا

وأيقنتْ أنَّ ما قد ... جَنَتْهُ لم يكُ ذنبا

دَبَّتْ إلى الحَبِّ دَبّاً ... وأمعنتْ فيهِ نَهبا

تَذْري الحبوبَ على الأر ... ضِ , وهيَ تضحكُ عُجبا

فليسَ تقبَلُ زجراً ... وليسَ تفهمُ عَتبا

وتملأُ الأرض حَبَّا ... وتملأُ البيتَ حُبَّا

فقلتُ: يكفيكِ زَرعاً ... لا ترتجي فيهِ خَصْبا

يا بنتُ , قد ساَء طفلٌ ... على العنادِ تربَّى

فاستضحكتْ فرَحاً إِذ ... ظنَّتْ أقول المربَّي

<<  <  ج: ص:  >  >>