للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومثل هذه المعيشة لا يقتضي انتشار الكتابة والقراءة. وإذا وجد فيهم من يكتب ويقرأ، فإنما هو نزيل هبط إليهم، أو آيب من سفر بعد طول إقامة في أرض متحضرة. . . وكان الأعرابي يقرع الأسماع برائع الشعر وفائق النثر، وهو لا يعرف حروف الهجاء ولا أسماء أوجه الإعراب. . .

ولم يصل الخط إلى ما هو عليه الآن، إلا بعد أن قطع أربعة أدوار. الدور الصوري المادي، الدور الصوري المعنوي، الدور الصوري الحرفي، الدور الحرفي الصرف. . . وذلك أن الناس في أول الأمر كانوا يرسمون صور الماديات للدلالة عليها، فإذا أرادوا أن يدلوا على معنى الأسد رسموا صورة أسد. وإذا قصدوا الدلالة على معنى النخل رسموا صورة نخلة. إلخ. وإذا أرادوا أن يذكروا أن ملك مصر حارب الآشوريين وغلبهم وأخذ منهم أسرة، رسموا صورة ملك مصر بالعلامة المصطلح عليها ومعه جنود مدججون بالسلاح، ورسموا صورة ملك آشور بعلامته المصطلح عليها ومعه جنده، بعضهم واقعاً على الأرض مضرجاً بالدم وبعضهم تحت سنابك الخيل وبعضهم مولون الأدبار، ورسموا جملة من الجند مربوطين بالسلاسل يقودهم جندي مصري. . . ولكن الكتابة بهذه الطريقة ناقصة، لأن من المدلولات ما لا صورة له مادية، كالخوف والحزن والفرح والنسب الإضافية والتوصيفية والنسب الكلامية التي تتصور بين الموضوع والمحمول. فكان الخط شيئاً خيراً من لا شيء. ثم بدا لهم بعد زمن أن يدلوا على المعاني التي لا صور لها بصور لوازمها فيرسموا الدواة والقلم للدلالة على معنى الكتابة، والشعر المسدول للدلالة

<<  <  ج: ص:  >  >>