للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من روابط الإخاء والوئام والاتحاد اللغة والجوار، إن لم نزد عليهما الدين. وإذا ما تفاهم الناس تحابوا، والكلمة التي تحتقرها إذا حدثت، هي التي تعلم الأمم، لأن بها يبرز الفكر جلياً للسامعين، فمن كلمته بلسانه كنت أخاه بذلك اللسان ونقلت إلى رأسه ثمار عقلك، وإلى صدره خوافي صدرك. وتأخذ منه ما عنده وتعطيه ما عندك. تتأدب بأدبه ويتأدب بأدبك، وتتعلم من علمه وتعلمه من علمك، وفكر لا يبرز بحلة الكلام وجوده كعدمه.

هكذا كان شأن البلدين بعد الفتح الإسلامي وصيرورة لغتهما لغة واحدة. فما نبت فن في أحدهما حتى جنى الآخر ثماره، وما ظهر علم أو عالم حتى كان للاثنين معاً. فإذا قلبت صفحات التاريخ، وتراجم النوابغ، ظهرت لك هذه الحقيقة ناصعة، حتى كأن حبل المدنية واللغة في القطرين سلك كهربائي، إذا ارتج طرفه في بلد ارتج سائر في البلد الآخر، وإذا أضاء مصباحاً في القاهرة، أضاء مثله في دمشق وبغداد. وإذا ما ضربت السياسة للأوطان حدوداً، فإن العلم لا وطن له وإن كان للعالم وطن. وإذا صح أن يقال بين الأمم الأخرى أن حدود الوطن باللغة، فإن هذا لا يصح بين مصر وسورية ولغتهما واحدة.

حكم محمد علي مصر وأنشأ المدارس، ونقل العلم إلى لغة العرب ليعلم مصر، ولكنه علم بلاد العرب كلها ذلك العلم وكان يكفيهم منه أن ينقله إلى لغتهم ليتفهموه. ففي رؤوس جبل

لبنان وفي أطراف سورية تجد في خزانات الكتب كتب الطب للرشيدي، والجغرافيا لكلوت بك، والفلك لمختار باشا، والهندسة لوهبي بك، والزراعة لأحمد ندى إلخ. وفي أطراف تلك

<<  <  ج: ص:  >  >>