للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسكون الطبيعة، أروح النفس في فضاء أرجائها، واملأ العين من بديع بهائها، ولم تكن الغزالة بعد أرسلت أشعتها أو بأن سماطها، وقد أخذت الطيور تغادر أعشائها وأوكارها، وترسل في الفضاء الهادئ شجي أصواتها، ما بين هديلٍ وسقسقة، وسجعٍ وقطقطة، فكان من مجموع تلك الأصوات الرخيمة العذبة، ذات الألحان الشجية، جوقة موسيقية، ألفتها القدرة الألهية، لعبادته سبحانهُ وتوحيده، ولقنتها الكائنات شكرها له على سوابع نعمه وللاستزادة من رحمته وجوده.

وأنا في ذلك الاستطراد من حالٍ إلى حال، ما بين مشاهدة الطبيعة وركوب الخيال، حط بي الطوف عند كناريين، متماثلين في حسن الحلية وجمال المنظر متحاكيين، يتداعبان فوق غصنٍ وهو يميل تحتهما أو يختلج ويضطرب، كما شاء أو شاء لهما الحب واللعب، ثم يعود فيتثنى أو يستقيم، كأنه راحة بسطتها الطبيعة إليهما للتسليم، أو ذراع تهدهدهما به تهدهد الأم لابنها الفطيم على سماع نوس هبات النسيم.

أقر هذا المشهد ناظري، وبدا لي التأمل فأخذت أتأملهما والسرور آخذ بعطفي، ذلك والعصفوران في مداعبة وطفر، وكر ومفرّ، هذا يجثم، وذاك ينقز أو يدوم، هذا يرفرف حول ذاك أو يزف، وذاك يدف هرباً من هذا أو يسف، ثم يهفان إلى الأرض يمرحان ويتلبدان، ويعودان إلى الغصن يجتمعان.

شاهدت ذلك مبهور النظر طروب السمع، فهبت بي عاطفة الاستئثار والميل إلى الجشع، فمددت لذينيك المتحابين السعيدين شركاً

<<  <  ج: ص:  >  >>