للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العرب)،. - وأول الذين عرفوا هذه الطريق الطبيعية التي لحبها البارئ هم أول من عرفهم التاريخ باسم (الأمم الكبار) أي أولئك الذين انشئوا نينوى وبابل ثم سلوقية وطيسفون ولما دثرت هاتان الحاضرتان جاءك العرب القروم فعرفوا ديار الهند ومجازها وابتنوا البصرة وبغداد. فقامت لهم يومئذ دولة ضخمة فخمة تضارع أعظم دول التاريخ وأضخمها بل تصارعها صراع الأبطال، لصغار الرجال. ففي عهد زهو دولة العرب، كما في إبان القرون الخالية، كنت ترى ثياب الحرير والإستبرق، الفلفل والقرنفل، الدارصيني والجوز بوا، الهال والزعفران، الصدف والعاج، الدر والمرجان، الميعة والصمغ، المصطكى واللبان، المر ودهن البان، البخور والعطور، وغيرها من حاصلات الهند ومما جاورها من الديار والجزر، من قريبة ونائية، من ثغور بلاد السيلى إلى جزيرة العرب وتبعث كلها بغلاتها لتستجلب بدلها الزجاج والرصاص، الحديد والنحاس، الاسرب والقصدير التي كان يؤتى بها من ديار الغرب.

وكانت تنتقل هذه السلع والبياعات من بغداد إلى قلب المشرق الأدنى: إلى دمشق والإسكندرية إلى موانئ الشام والديار المصرية، التي كان فيها يومئذ محلات تجارية زاهرة زاهية، عائدة إلى البيزيين والفلورنسيين، إلى البنادقة والجنوبين. لا بل بعد أن عرف طريق أفريقية البحري، واكتشاف معبر أو منفذ يؤدي إلى ربوع الهند ماراً برأس الرجاء الصالح، بقى الطريق الأول طريق خليج فارس على علو كعبه طول القرن السادس عشر وبعض القرن السابع عشر، ولما ذهب شيء من شأنه عند معرفة التجار الطريق الثاني، دام المسلك الأول نهجا عظيما، نهج تجارة الهند وديار الروم، بل لم يزل أب كل نهج تنهجه جميع الدول التي تمد يدها من الديار الآسيوية إلى الديار الأوربية وبالعكس. وداوم التجار الإيطاليون ولا سيما البنادقة منهم والقطلونيون على إنفاذ أموالهم ومبيعاتهم على القوافل التي تجتاز بوادي الشام وصحارى بين النهرين يجلبون من ديار الهند والسند والصين وزابج (جاوة) جميع ما يحتاج إليه الغربيون من أثمار وغلات الأرجاء الحارة فيصعدونها على متن شط العرب الذي كان يعرف يومئذ عند أجدادنا (بدجلة العوراء) ومنه

على ظهر الفراتين ومنهما إلى ربوع مملكة العرب التي صارت بعد ذلك من ديار سلطنة آل عثمان.

<<  <  ج: ص:  >  >>