للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واختبرته بنفسي، فتقوم من كل ذلك حقيقة أظنها قائمة على ركن مكين.

وقبل أن أتعرض لوصف السد ابدأ بأن أقول لكم إن إعادة الماء إلى نهر الحلة أمر مبتوت لا رجوع إليه ولا يحتاج الإنسان إلى أن يكون من العلماء أصحاب الفن لكي يوقف صاحبه على ما لم يره بنفسه. فمجرد النظر إلى تلك الأشغال الهائلة التي تجريها الحكومة بل

تختسها في الهندية تكفي لكي تريح عن فكركم كل شك في هذا الصدد.

ودونكم الآن الإفادات التي اقتبستها في المواطن التي تقوم فيها الأعمال، وقد قرنت بها الملاحظات والتأثرات التي وقعت في نفسي أو شعرت بها في مطاوي مشارفتي إياها:

في الموطن الذي تتم الأشغال اليوم يتفرع الفرات إلى فرعين: الفرع الأول وهو الفرع الأيسر اسمه (شط الحلة أو نهر الحلة) والفرع الثاني وهو الفرع الأيمن اسمه: (شط الهندية أو نهر الهندية). وكانت شعبة الحلة في الأزمان الخالية أعظم من الشعبة الثانية أختها. أما اليوم فالأمر بالعكس إذ كل ماء الفرات يتدفق في شط الهندية. وقد ذهب الباحثون في هذا الانقلاب مذاهب شتى معللين له أسباباً مختلفة. ولما كانت معرفتي لا تجاري معرفة أولئك المدققين من أهل الفن لقلة بضاعتي في هذه المادة اجتزئ بأن أذكر الأمور على أوجهها بدون أن أتوغل في البحث عن عللها وأسبابها ولهذا الضرب صفحا عنها.

بدأ تحول الفرات عن مجراه قبل نحو ٤٠ سنة. فلما رأى أولو الأمر هذا الانحراف في الجري قاموا له وقعدوا، وشرعوا في سنة ١٨٨٥ بإقامة سد غواص وكان المهندس له الفاضل شندرفر المذكور وبناه بالطاباق وجعله في عرض النهر ليقلل جريانه في شط الهندية ويكثر انحداره إلى شط الحلة لا سيما في إبان الصيهود (نقصان الماء) الذي يكون في أيام الخريف. ولو سعى أولو الأمر بالمحافظة على حالته التي رسمت له محافظة تامة لكانت تحققت الأمنية. إلا أنه لأسباب عديدة أهمل أمره. ولما تعاقب الزمان عليه أخذ بالانهدام والانهيار حتى لم يعد وافياً بالمقصود ولم تبق فيه فائدة. وأصبح ترميمه كثير النفقات وصعب التحقيق فاضطر أصحاب الحل والربط إلى إهماله بتاتاً وإلى إبداله بسد آخر أقوى وأمكن وأوفى فائدة بالمرام حسماً للأمر بدون أن يحتاجوا إلى أن يعودوا إليه كل حين مع

<<  <  ج: ص:  >  >>