للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نفائسها ونوادرها وغرائب المصنفات وأمهاتها الممتعة التي يندر وجود مثلها في خزائن كتب العالم. وذلك لأن النجف دار هجرة لطلاب العلم من الشيعة منذ عدة قرون. وزد على ذلك ما لمجاوري مرقد الإمام علي عم في النجف من الأجر والثواب ما ليس لغيره من قطان الأمكنة والبقاع لما يروونه في أخبارهم المنقولة عن الأئمة الأثنى عشر عم. ولهذا الغرض عينه اخذ بعض الملوك والوزراء والأمراء من الإيرانيين والهنود والبحرانيين وغيرهم يهاجرون إلى النجف قصد الثواب وبعد أن يبقوا فيه مدة من الزمن يرجعون إلى بلادهم وقد يهجر بعضهم وطنه بتاتاً أو يترك بعض أولاده أو أحد أسرته مكانه أو يرسله نيابة عنه فيأتي أولئك المهاجرون من شرق البلاد وغربها زرافات ووحدانا بالكتب التي في بلادهم. أو الكتب التي ورثوها عن آبائهم قصد الانتفاع بها في الدرس والمطالعة. وإذا مات أحدهم أوقف كتبه لطلاب العلم ليعم نفعها. والتي لا يوقفها صاحبها لهذه الغاية تباع بعد موته في صحن النجف بأبخس الأثمان (إذ كان باعة الكتب قبل نحو عشر سنين في حجر الصحن) فتتفرق تلك الكتب عند العلماء وغيرهم، لكنها لا تخرج عن بلدة النجف أبداً.

بيد أن أصحابها لا يقدرون منها سوى كتب الكلام والفقه والأصول والحديث والرجال (اعني رواة الحديث منهم) ولا يرون مزية لغيرها من كتب التاريخ واللغة والأدب والشعر والبلدان والهيئة والهندسة والطب وتراجم الرجال. ولهذا السبب أهملها القوم ولم يلتفتوا إليها بل قل لا يصلحون حالها إذا أصابها سوء من تمزيق وحرق وما أشبه ولا يحفظونها من التراب والرطوبة والأرضة وما شاكل ذلك ولهذا تلف معظم الكتب التي صنفت في تلك العلوم (اعني القسم الثاني منها) ولم يتنبه لها عشاق الكتب والمتاجرون بها من النجفيين وغيرهم إلا منذ أربع سنوات على الأكثر فاخذوا حينئذ يغالون بكل مخطوط نالته أيديهم وظفر به أحدهم إذ تراهم قد قبضوا عليه بيدٍ من حديد وضنوا به على كل أحد حتى على أبناء معارفهم ولا ضن الشحيح بديناره وما ذلك إلا لما تصوره لهم المخيلة أن لهذا الكتاب شأنا عظيماً عند الإفرنج وسيباع بالمئات من الليرات بل الألوف بل الملايين ورسخ هذا

الفكر في أذهانهم ولا رسوخ الطود الأشم في الأرض ولشدة تيقنهم ذلك تسمع هناك المنادي يصرخ إذا نادى على كتاب مخطوط مهما كان موضوعه وعهد تاريخ وأراد أن يجلب رغبة المشتري إليه فيقول: (بابا عنتيكا لندن

<<  <  ج: ص:  >  >>