للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مسجلاً في دفاتر الأستانة لا يمكن عقابه ولا سجنه بل ولا عتابه إلا بأمر من المرجع العمومي (كما كانت الحال قبل بضع سنوات في أن المأمور (الموظف) المنصوب بالإرادة السنية لا يمكن أخذه تحت المحاكمة إلا بإرادة سنية مهما فعل) ومعلوم أن الفرق ظاهر بين هذا الزمن الأخير وبين الزمن الأول وبينهما نحو مائة سنة تقريباً لأن الوسائط كانت يومئذ منقطعة تقريباً بين الأستانة وبغداد حتى أن الترك يضربون المثل ببعد بغداد عنهم إذ من أمثالهم (عاشقه بغداد يقيندر) أي بغداد للعاشق قريبة وقولهم (ياكلش احساب بغداددن دونر) أي الحساب المغلوط يعود من بغداد فما كان يضرب المثل ببعده من البلاد ويعلم العسكر الحامل للبراءة أن مجازاته أو تكديره موقوف على ورود الأمر من ذلك المحل السحيق الشاسع كيف لا يفعل ما تسول له نفسه الأمارة بالسوء ويأتي أنواع الموبقات وقد قيل (من أمن العقوبة أساء الأدب) والغالب في العسكر وقتئذ قلة الحياء من الناس لأنهم يرون أن لهم الفضل عليهم بمحافظتهم من العدو حتى انهم كانوا

يغصبون النساء والأولاد رغماً عن أهلهم خصوصاً أن رأوا عروسا مزفوفة إلى زوجها أو امرأة خارجة من الحمام أو غير ذلك حتى جرت العادة لدى البغداديين عند جلب العروس من بيت أبيها إلى بيت زوجها أن يذهب معها جم غفير مدججاً بالسلاح الكامل من أقارب الزوج وأصحابه وممن يدعوه أهل العرس دعوة لهذا الغرض من ذوي البأس والنجدة والغيرة فإذا تم عددهم يذهبون بسلاحهم فتخرج العروس بين عدة أتراب لها من بيت أبيها محاطة بهؤلاء الرجال الأشداء وهم يلهجون ببعض الألفاظ الدالة على قوتهم وحزمهم وثباتهم بما يسميه العوام (هوسة) حتى يصلوا بها إلى بيت زوجها وربما أراد أحد العساكر اليكىجرية أو من قبلهم من اللوند اغتصاب تلك العروس فتقع بينهم الوقائع من القتل والقتال وتكون النهاية أما بفوز الأهالي واستخلاص العروس من الظالمين وأما بغلبة العسكر عليهم وأخذهم العروس منهم للفجور بها والسبب انهم كانوا عديمي الدين ولا نقول قليليه وكذلك قل عن الحياء إذ ما كانوا يخافون من الحاكم لأنهم يعلمون أنه لا يستطيع أن ينالهم بسوء إلا بأمر من المرجع الأعلى في الأستانة فإذا كان هذا حالهم فهل لا ينطبق عليهم قول الشاعر:

إذا لم تصن عرضاً ولم تخشى خالقا ... وتستح مخلوقا فما شئت فافعل

وقوله عليه السلام: (إذا لم تستح فاصنع ما شئت) لأن النفوس مجبولة على الشر

<<  <  ج: ص:  >  >>