للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تبق له اقل قيمة واعتبار عند الناس - أصبح بما وصل إليه الشيخ من الابتداع والاختراع الذي لم يعرفه العراقيون من قبل، من ضروريات الحياة في نظر الناس. فما كانوا يسمعون به يقرأ في بيت إلاَّ وانسلوا إليه من كل حدب وضاق المكان بالشيب والشبان فكان (كما قال سيد الشعراء احمد شوقي المصري في مغن):

يخرج المالكين من حشمة المل ... ك وينسي الوقور ذكر وقاره

رب ليل أغار فيه القماري ... وآثار الحسان من أقماره

بصبا يذكر الرياض صباه ... وحجاز ارق من أسحاره

وغناء يدار لحنا فلحنا ... كحديث النديم أو كعقاره

وأنين لو أنه من مشوق ... عرف السامعون موضع ناره

يتمنى أخو الهوى منه آها ... حين يلحى تكون من أعذاره

زفرات كأنها بث قيس ... في معاني الهوى وفي أخباره

لا يجاريه في تفننه العو ... د ولا يشتكي إذا لم يجاره

يسمع الليل منه في الفجر يالي ... ل! ليصغي مستمهلا في فراره

ذكاؤه وفطنته

وما ذكاؤه وفطنته فحدث عن البحر ولا حرج. وكأني بمن لم يزل يتردد في تصديق ما اذكره من غرائبه ونوادره؛ كان مع شيخوخته إذا سمع صوت إنسان عرف أوصافه من حسن ودمامة وطول وقصر وعرف كم سنه. وإذا لمس يد رجل فارقه مدة من الزمن عرفه في الحال. واغرب من هذا وذاك أنه كان يعرف الرجل من قرع نعليه.

وكان يجيد الضرب أيما إجادة على العود والعزف بآلات الطرب بأنواعها واللعب بالدمة (أي بالدامة) والشطرنج وسائر الألعاب العجيبة. ومر يوما في طريق من طرق بغداد فسمع من أحد البيوت صوت عود غير منتظم فعرف حالا أن وترا من أوتاره لم يحكم شده فوقف وطرق الباب وقال: يا ضارب العود احكم الوتر الفلاني وسماه باسمه! فقال الرجل: أنا أردت ذلك بارك الله فيك!

ونوادره أوسع من أن يحيط بها نطاق الحصر.

<<  <  ج: ص:  >  >>