للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

في هذه التضاعيف بلغت شميرام ونتو الهيكل فانقطع الكلام بينهما.

الهيكل بناء فخم واسع الأرجاء ثابت الأركان محكم البنيان متقن الهندسة تفنن أرباب الصناعات في إفراغه في قالب الإتقان فأتى طرفة بديعة في آثاره البابلية إذ ترى جدرانه التصاوير الناتئة وهي تمثل الحيوانات والأشجار المتضاربة الأنواع المصبوغة بالألوان الزاهية الزاهرة مما يسر النظر ويطرب الخاطر. وفي الهيكل أصنام الآلهة المختلفة وقد نحتت نحتا في الحجر والصخر وقد أجاد صانعوها كل الإجادة حتى أنهم حاكوا الطبيعة في مقوماتها وتشخيص أعضائها وتمثيل أدق أجزائها. وكان تمثال الإله (أنو) على شكل إنسان ذي لحية طويلة له ذنب كذنب النسر ورأسه رأس سمكة تسقط على كتفه وظهره وتمثال الإله (بل) بهيئة ملك جالس على عرش عظيم وللإله (ايا) أربعة أجنحة مبسوطة. وهناك غير هذه التماثيل.

كان هيكل غاصا بالزوار والمتعبدين. وفي طرف منه مذبح تقدم عليه الضحايا والقرابين.

هناك توقد النيران في مواقدها ويحرق البخور في مجامره فتندلع ألسنة نارية من الأولى تلقي هيبة وجلالا في المعهد الديني ويعطر دخان البخور بأريجه فضاء الهيكل وتتصاعد منه سحابة كأنها تريد أن تجمع بين الأرض والسماء فيؤثر هذا المشهد الفتان تأثيرا سريا في النفوس. ويزيد الكهنة المنظر بهاء بنبراتهم الدينية. فتراهم يقومون بسدانة الهيكل ويطوفون بتمثال الإله وينشدون الأناشيد بصوت رخيم وبين آونة وأخرى يتمتعون بألفاظ لا تفهم، عليها مسحة السحر وعلى محياهم علائم الرياء بادية إذ اتخذوا المين والخداع من أجل الوسائل للاستبداد بالشعب والتبسط في السلطة واحتكروا العلم والعرفان وتذرعوا بهما ليضيقوا الخناق على الشعب الجاهل ويستنزفوا ثروته.

تقدمت شميرام في الهيكل وقد ضاقت بالأحزان ذرعا. وأخذت تناجي الآلهة بلقب متلهف ولوعة محترقة واغرورقت عيناها بالدموع وهي لا تعي أفي الدنيا هي أم في عالم الأرواح وهجست في نفسها أن عاملا سريا يدفعها إلى مراقي الألوهية فقالت: أيها الإله (أنو) أبا الآلهة ورب العالم الأسفل ورب

<<  <  ج: ص:  >  >>