للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والمجاهدة قليل تناول الغذاء وكان قد نشأ بخراسان واتخذ زاوية في أحد جبالها ومعه جم غفير الفقراء، فمكث هناك أكثر من عشر سنين لا يخرج ولا يدخل عليه إلا رجل خاصا بخدمته فخرج وحده في يوم شديد الحر ثم عاد وقد علا وجهه نشاط وحبور بخلاف ما عليه قبلا فأذن لرفقائه بالدخول عليه وجعل يكلمهم فسألوه عن الحال الذي صار إليه فقال بينما أنا في خلوتي إذ خطر لي الخروج إلى خارج المدينة منفردا فلما خرجت وجدت كل النبات ساكنا لا يتحرك لسكون الريح ولفت نظري نبات له ورق فرأيته يميس بلطف ويتحرك تحرك السكران الثمل فجعلت اقطف منه أوراقا وآكلها فحدث لي من الارتياح ما ترون فيها بنا إلى البرية لأطلعكم عليه فتعرفوه. فخرجوا وراءه فلما رأوا قالوا له: هذا هو القنب فتهافتوا على أوراقه فأكلوا منها فسروا وطربوا فأمرهم الشيخ كتم هذا السر إلا عن الفقراء قائلا لهم: أن الله خصكم بهذا السر ليذهب عنكم همومكم الكثيفة ثم حثهم على زرع هذا النبات حوله ضريحه بعد وفاته وبقي يأكل منه بقية حياته ثم توفي سنة ٦١٨هـ وبني على ضريحه قبة فاتته النذور الوافرة من أهل خراسان وعظموا قدره واحترموا أصحابه وكان قد أوصى أصحابه أن يوقفوا ظرفاء أهل خراسان وكبراءهم على هذا العقار، فأطلعوهم على سره واستعملوه وشاع أمر الحشيشة في بلاد خراسان وفارس ولم يكن أهل العراق يعرفونه حتى جاءهم صاحب هرمز ومحمد بن صاحب البحرين وهما من ملوك سيف البحر المجاور لبلاد فارس في أيام الملك المستنصر بالله وذلك سنة ٦٢٨هـ فحملها أصحابها معهم فاظهروا للناس أكلها فاشتهرت بالعراق ووصل خبرها إلى الشام ومصر وبلاد الروم فاستعملوها وفي نسبتها إلى الشيخ حيدر يقول الأديب محمد بن علي بن الأعمى الدمشقي:

دع الخمر واشرب من مدامة حيدر ... معنبرة خضراء مثل الزبرجد. . .

ولا نص في تحريهما عند مالك ... ولا حد عند الشافعي واحمد

ولا اثبت النعمان تنجيس عينها ... فخذها بحد المشرقي المهند

<<  <  ج: ص:  >  >>