للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكانت هذه الحوادث المؤلمة تثير أعصابي وتزيد في آلامي وكنت في تلك الليلة ال ١٠ من تشرين الثاني١٩١ - أفكر في الطرق التي أنقذ بها المدرسة العربية من تلك المخالب.

فقضيت ساعتين تارة أفكر وطورا اقرأ ما تيسر لي من الكتب حتى دقت الساعة الرابعة عربية ليلا، فساد الصمت وانقطعت أصوات النائحين والباكين في التعازي والمآتم. وإذا صوت رخيم رقيق أشبه برنين الجرس فقد انبعث من طيات ذلك الليل الهادئ منشدا:

يا شام غريبان يا إمام رضا

وكانت تلك النغمة التي لم تكن إلا نغمة النأي الحزين قد أهاجت بلابلي وأثارت كوامن شجوي، فانتفضت انتفاضة المتكهرب ورفعت باب الكوة المطلة على الطريق، وملت بكل جوارحي إلى الجانب الذي جاء منه ذلك الصوت الرخيم وبعد بضع ثوان سمعت نشيدا بنغمة فارسية: (دوست علي مولا جانم) ثم انطلق يتغنى بأشعار فارسية لم استطع ضبطها فعلمن من النغمة ومن هذه الكلمات إنه (درويش فارسي). فقلت: بابا درويش بفرما أي

تفضل أيها الدرويش - فجاء يمشي الهوينا، حتى وقف تحت (الفانوس) فتبينته ثم رميت له قرانا (نقدا فارسيا يساوي نصف فرنك ذهب) لم يعثر عليه إلا بشق النفس. وقلت له:

أي مرشد بخوان - أي اقرأ أيها المرشد. فقال جشم.

فقرأ بنغمة الافشار قصيدة من أبدع قصائد الشاعر الشهير سعدي الشيرازي وقد ضبطت - وأنا في غرفتي - بيتين منها:

شرف مرد بجود است ... وكرامت بسجود

هركه إين هردر ندادد ... عدمش به زوجود

اي كه در نعمت ونازي ... بجهان غرد مشو

كه مجالست در إين ... مرحله إمكان خلود

معناها: شرف المرء بجوده وكرامته بسجوده لله ومن لم يملك هذين

<<  <  ج: ص:  >  >>