للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أكل الدهر عليه وشرب في (الفال) وبعضا اقرأ مأتم الحسين (ع) وأخرى اطبب في القرى الصغيرة. قلت له: أنت تجهل الطبابة وربما أعطيت مريضا دواء أهلكه أفلا تخشى الله في عملك هذا؟ قال: أن الأدوية التي أصفها للمرضى معلومة وتفيد ولا تضر وهي: سنامكي وبنفشه (بنفسج) وكل كلب زبون أي ورد لسان الثور.

٢١تشرين الثاني

اجتمع عندي في هذه الليلة بعض أنباء الأشراف وعرفتهم بالدرويش (بي بروا) وكان نتطارد في الشعر. وحفظ الشعر هو ما يتفاخر به أبناء النبلاء في كربلاء والبليد الأحمق في نظرهم من لا يستظهر طائفة من القصائد العربية وتلاوته فاكهتهم في مجالسهم التي يعقدونها.

وبينما كنا نتلو شعرا كان الدرويش يكتب شيئا في دفتره الصغير ثم نظر إلينا وقد ابتسم ثغره وقال: آقايان من هم شعر درست كردم بشنويد أي سادتي أني أيضاً نظمت شعرا فاسمعوا. وقرأ لنا بنغمته الرقيقة المشجية أبياتا أضحكت الحاضرين وهي:

أنا الدرويش بي بروا ... احب النان والحلوى

حليف الهم والبلوى ... أريد المن والسلوى

ثم أخرج النأي من جرابه وكان يعزف به عزفا مشجيا إلى أن مضى هزيع من الليل فانصرف الحاضرون ونام الدرويش ولما كان الصباح فطرنا معا وبعد ذلك انحنى الدرويش على يدي يريد تقبيلها وقال بلهجة المتمن: أشكرك يا ولدي ونور عيني فقد شاهدت منك لطفا وكرما عظيمين وأني اليوم عازم على السفر إلى إيران وأني سأدعو لك في صلواتي وتعبداتي وأرجو الله أن يطيل في عمرك وإن يبارك في رزقك وإن يوفقك.

فشكرت الدرويش وطلبت إليه أن يبقى عندي فاعتذر، فأعطيته شيئا من الدراهم وزودته بمتاع فودعني وسافر ولست أدري ما فعل الدهر به. فأسعده الله أن كان حيا يرزق ورحمه الله أن كان ميتا ملحودا!

أحمد حامد الصراف

<<  <  ج: ص:  >  >>