للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذي حداها؟ إذن ماذا كانت وظيفة الربان؟ وقال (فيها):

ضرب البحر ذو العباب حواليها ... سماء قد أكبرتها السماء

وفي البيت مبالغة ذميمة، فإن البحر ليس بشيء يذكر بالنسبة إلى سعة السماء فكيف تكبره هذه؟ - وقال (فيها):

ورأى المارقون من شرك الار ... ض شباكا تمدها الداماء

وجبالا موائجا في جبال ... تتدجى كأنها الظلماء

وأنت ترى إنه شبه فيهما أمواج البحر تارة بالشباك وأخرى بالجبال الموائج في مثلها، على ما بينهما من الفرق. ومعنى (تتدجى)): تظلم. فكأنه يقول: تظلم كأنها الظلماء. وقال (فيها):

ودويا كما تأهبت الخيل ... وهاجت حماتها الهيجاء

وكلمة (دويا) معطوفة على قوله قبلا: (ورأى المارقون من شرك الأرض شباكا. . . وجبالا). ولا أدري أيرى الدوي أم يسمع؟ وقال (فيها):

لجنة عند لجة عند أخرى ... كهضاب ماجت بها البيداء

والهضاب في البيداء ثابتة، فلا يحسن تشبيه لجج البحر بها، كما لا يحسن إسناد الموج إلى هضاب البيداء. وقال (فيها):

نازلات في سيرها صاعدات ... كالهوادي يهزهن الحداء

شبه السفين في البحر في نزولها وصعودها بالإبل التي يهزها الحداء. والمقصود من النزول والصعود هو ابتعادها عن الأنظار واقترابها؛ فلا وجه لتشبيهها من هذا الوجه بالإبل التي تهتز للحداء. ثم ماذا حدا بأمير الشعراء في القرن العشرين (؟!) أن يشبه البواخر بالإبل في سيرها. ألم يمض بعد زمان التغني بالإبل والتشبيه بها؟ وقال (فيها):

رب أن شئت فالفضاء مضيق ... وإذا شئت فالمضيق فضاء

ولا صلة لهذا البيت بما قبله أو بعده؛ وإنما هي الصنعة - طرد العكس - هي التي حببت إليه إثباته في مكانه؛ وإلا فإن هناك بحرا رحبا ولا فضاء قد صار مضيقا، ولا مضيق قد صار فضاء. وقال (فيها):

فأجعل البحر عصمة وابعث ... الرحمة فيها الرياح والأنواء

<<  <  ج: ص:  >  >>