للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتنفخ في روع الغبي فينبري ... فصيحا ويغدو مدره القوم ابكما

فقوله: (ويغدو) معطوف على (فينبري) وهو معطوف بفاء التفريع على تنفخ في روع الغبي، فكيف يكون الغبي مدرها؟ وإذا تسامحنا فقلنا إنه معطوف على (تنفخ) فبأي شيء يغدو المدره ابكم إذ لا تعلق للنفخ به، وقال ص ٢٢: (عرامة مجنون ورقة مائق) وشرح العرامة بالشراسة، والمائق بالأحمق، وإذا كانت الكلمتان تحتاجان إلى شرح فلماذا جاء بهما؟ ولماذا لم يضع مكانهما الكلمتين اللتين شرحهما بهما؟ والوزن مساعد فيقول: (شراسة مجنون ورقة أحمق) ثم لا أدري متى كان الأحمق رقيقا، بل الحقيقة أن الإنسان كلما زادت حماقته اقترب من الحيوانية، فكثرت غلطته، وقال (ويسفه فيك الشيخ أن بات مغرما) وأحسن من قوله (إن بات) (قد بات) ليكون حالا. وقال (عسوفا إذا ما الخوف قد كان احزما) ولا تجتمع (قد) للتحقيق والشرط فلا يقال (إذا ما زيد قد أتاني) لأن الشرط مشكوك

في وجوه فلا يناسبه التحقيق. وقال (وأنت بأن تقسو جدير وترحما) أليس عجيبا أن لا تنصب (أن) فعل المضارع بها - تقسو - وتنصب الفعل البعيد عنها - وترحما - بواسطة العطف؟. وهذا قبيح وإن جاز. وقال:

وإن شئت أزجت الجبان فاقدما ... ووسوست في قلب الجريء فأحجما

وهو في صدد ما سيصيب الحب من الكوارث أو التناقض، فقوله (أن شئت) ينافي ما يريده. فما دام الأمر قائما بمشيئة الحب فالحب لا يشاء ما يكون فيه زراية عليه، فهو لا يورط نفسه. وقال (ألا ولتفرق والدا عن وليده) واللام للأمر الغائب فلا يدخلها الفصحاء على المخاطب. وقال ص ٢٣:

أحمل هذا الدهر ذم صنيعه ... كما يحمل العبد السياط ليضربا

ويشبه عبد السوء في كل فعله ... فيضرب أحيانا وما زال مذنبا

شبه الأستاذ الدهر بالعبد الذي يضرب بالسياط، ولا أحسب أن الأدب العصري يهضم مثل هذا التشبيه، والأستاذ إنما تبرم بالدهر لأن الدهر ضربه ومن هنا تعرف أيهما الضارب.

وقال من قصيدة (أنس الوجود) ص ٢٤ بعد أبيات:

<<  <  ج: ص:  >  >>