للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الثائرين على الدين فجميع أشعارهم يحصر في كتاب. وكيف لا نشك في ذلك القدر الموهوم؛ بينما نحن لا نؤمن بكل ما لدينا لما نرى بين سطوره من رقة الشعور الفائقة والإحساس الزائد عما يحتاج إليه أولئك الأعراب فلو أتاني امرؤ وسألني لمن هذان البيتان:

لو كان قلبي معي ما اخترت غيركم ... ولا ارتضيت سواكم في الهوى بدلا

لكنه قد لها في من يعذبه ... فليس يقبل لا لوما ولا عذلا

ما ترددت لحظة في نسبتها لعمر بن الفارض فإنها تشابه شعره كثيرا ولم يكن ليخطر لي على بال إنها لعنترة بن شداد (على حد قول الرواة) وهو أعرابي جلف لم تصقله المدنية. بلى أن عنترة اشتهر ببعده عن بذاءة الألفاظ وحوشي الكلام: وأمتاز دون أكثر شعراء

الجاهلية برقته ورشاقة تعابيره ولكن مهما يكن لا تبلغ به الرقة إلى هذا الحد وبين هذه الكلمات ترى آثار الصنعة والتلاعب، ألم يبلغ بالرواة أن نسبوا لامية بن أبي الصلت هذه الأبيات:

الحمد لله ممسانا ومصبحنا ... بالخير صبحنا ربي ومسانا

رب الحنيفة لم تنفذ خزائنها ... مملوءة طبق الآفاق سلطانا

ألا نبي لنا منا فيخبرنا ... ما بعد غايتنا من رأس محيانا. الخ

فهنا نراه يتطلب نبيا. مع أننا عرفنا إنه من الذين حاربوا النبي وعادوه، فالرواة اختلقوا هذه الأبيات والصقوها به كي يدعوا مجالا للظن أن أمية قد تنبأ بظهور نبي حين أرتجاه ويعتقد به، وإنما معاداته للنبي ما هي إلا لأسباب شخصية بحتة بينهما. فهذا الاختلاق هو من ضمن الأسباب الدينية التي قلنا إنها دعت الرواة إلى الانتحال فهم أرادوا أن يظهروا للملأ إنه تنبأ بالإسلام ويبعث نبي عربي من مكة أو من قريش قبيل أيامه بأعوام وقرون، فاختلقوا ما شاءوا من الأشعار ونسبوها لشعراء الجاهلية وعمدوا أيضاً إلى طرق أخرى وطرقوا غير باب الشعر. فقد بلغ ببعض الرواة المختلقين في بلاد الإفرنج أن ألفوا إنجيلا دعوه بإنجيل برنابا، وفيه تنبئوا عن بعثة الإسلام أو ما يشبهه، وذكر فيه النبي المبعوث وذلك أنهم علموا أن القديس برنابا ألف إنجيلا ولكنه ضاع ولم يصل الينا، فالفوا هذا ونسبوه إليه وقالوا أنهم وجدوه مخطوطا قديما في تلك

<<  <  ج: ص:  >  >>