للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي هذه القصيدة تلاعب أيضاً من الحفاظ فإذا صدق الأستاذ مرغليوث في أن أحد الإسرائيليين نظمها فكيف نعلل هذا؟ فهو دون شك لم يختتمها بهذا البيت:

وفي آخر الأيام جاء مسيحنا ... فأهدى بني الدنيا سلام التكامل

هذا لم يرو في غير نسخة الموصل، فأي يهودي يؤمن أن المسيح أتى؟! إذن لابد أن أحد حفاظها أو قل ناسخ هذه النسخة زادها من عندياته! وهذا يدلنا أيضاً على مبلغ التلاعب والتحريف في تلك الأدوار التي مثلها أولئك الرواة والحفاظ والنساخ أيضاً في نقلهم إلينا أشعار الأوائل على مسرح الأدب.

ولا يغر المرء أن يجد بين الشعر الجاهلي لينا وسهولة، فالعربية لم تتغير كثيرا قبيل نصف قرن من الإسلام، إنما الذي تغير في البلاد العربية وعفا أثره منها تلك اللهجات والتمتعات التي كانت سائدة في اليمن وربيعة وبعض أحياء العرب ولا يذهب حالا إلى أن ذلك اللين فيها دليل على الانتحال بلا تدقيق نظر وأعمال روية فهذه أبيات من معلقة ابن كلثوم بها رقة لفظ وسهولة:

قفي قبل التفرق يا ظعينا ... نخبرك اليقين وتخبرينا

قفي نسألك هل أحدثت صرما ... لو شك البين أم خنت اليمينا

بيوم كريهة ضربا وطعنا ... أقر به مواليك العيونا

وإن غدا وإن اليوم رهن ... وبعد غد بما لا تعليمنا. . . الخ.

فهل يا ترى هذه الرقة في اللفظ هي التي تدعونا إلى وسمها إنها منتحلة؟ لنمسخ قصيدة برمتها دون ترو ولمجرد الشك في تلك الرقة واللغة! ومن ثم يثبت لنا أن عمرا هذا لم يكن متأثرا بلغة القرآن قبيل ظهوره بلغة قريش؟ وأذن لم هذا الشطط وهذا التعسف! يقول الدكتور طه حسين عن هذه المعلقة: (أن في قصيدة ابن كلثوم وهذه من رقة اللفظ وسهولته ما يجعل فهمها يسيرا على أقل الناس حظا من العلم باللغة العربية في هذا العصر الذي نحن فيه. وما هكذا كانت تتحدث العرب في منتصف القرن السادس للمسيح وقبل ظهور الإسلام بما يقرب من نصف قرن. وما هكذا كانت تتحدث ربيعة خاصة في هذا العصر

<<  <  ج: ص:  >  >>