للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يريد الدكتور أن نصدق قول هذا الراوي ونكذب قول ذلك؟ لو أراد أن نشك في ما يقدمه إلينا الرواة وكتاب العرب على معرض الأدب لوجب أن نشك في الكل فلا ننتقي ما يوافق فكرنا ونصدقه ولا نضرب ما لا يوافقه عرض الحائط ونكذبه فأين هذا من النقد الصحيح العلمي؟ وهل هذه طريقة ديكارت؟ لا! نحن لا نقدر أن نعلل هذا التذبذب في كتاب (الأدب الجاهلي) وإنما نكتفي فنقول (أن مبدأه حسن يجمل لنا أن نتخذه قاعدة في درس الآداب فنشك عند أول فرصة للشك ونبحث في موضوعه دون أن ننفي بطريقة عامة وحكم بات كل الشعر الجاهلي) كما إنه يحسن بكل دارس الشعر الجاهلي أن يطلع عليه مع قليل من التحذر ففيه نظريات قيمة وملاحظات ثمينة.

ونظن أننا لا نأتي شططا إذا ما نسبنا النصر لهذا الشاعر أو ذاك، فعنترة والنابغة وأمية بن أبي الصلت وقيس بن ساعدة وعمرو بن كلثوم والمهلهل وغيرهم من فطاحل الشعر الجاهلي هم نصارى وإن تكن قصائدهم لا تتضمن مقاطيع تظهر بصراحة نصرانية أصحابها. . . نتحقق أن الشعراء وهم رافعو لواء قومهم لم يكنوا يفترقون عنهم في أمر مهم كالديانة، وفضلا عن ذلك أن خلو أشعارهم من آثار الوثنية ومظاهر اعتقادهم بالتوحيد وبالحياة المستقبلية، وتعودهم الكثير من الأفكار والمؤسسات والأعياد المسيحية، والتعبير اللطيف الذي يستعملونه لذكرها والذي يلزم كونهم في محيط نصراني أو متنصر) كل هذا يهيئ أمامنا برهانا جديدا على صحة نظريتنا فضلا عن أن كثيرا من كتاب العرب ذكروا شيئا عن نصرانية تلك القبيلة، أو ذلك الشاعر.

نكتفي بما أوردنا عن الشعر الجاهلي وعن أسباب الشك فيه وأننا نرى أن هذا الشعر هو خير ما جادت به اللغة العربية وجادت به قرائح الشعراء (وقد أجمع الجهابذة العارفون بنقد الشعر وفنونه الضاربون في سهوله وحزونة أن

<<  <  ج: ص:  >  >>