للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تجعله بحق حجة وحده ومرجعا للباحثين.

ومنها معرفته عدة لغات شرقية وغربية مما يفيد في وسائل إثراء اللغة وطرق درسها وإنمائها، ثم الوقوف على فقهها وتاريخ نشأتها منذ عرفها التاريخ ولا أعرف رجلا غيره تيسر له الوقوف على هذه اللغات الشرقية بهذا الإتقان ثم الانتفاع بها في تحقيق الأصول العربية، فليس من الغريب إذا أن يكون كعبة الأساتذة والمستشرقين وطلاب التحقيق الفقهي للغة العربية.

ومنها رحلته إلى أوربة وبلاد الشرق ووقوفه على مظاهر الحضارة القديمة والحديثة وآثارهما مما جعله أوسع معرفة وأدرى بمقتضيات هذا العصر من تجديد واصطلاح وتواضع على ألفاظ خاصة لكل جديد حتى لا ترمى اللغة بالفقر والعجز عن مجاراة الحضارة الجديدة.

- ٤ -

أفبعد هذا يكون من الغريب أن يكون الأب الكرملي محط آمال المجتمعات اللغوية العلمية. وإن تتهافت النوادي الشرقية في أوربة والشرق على انضمامه إليها ليكون عتادها الأوحد ومرجعها الذي لا مرد لحكمه؟! ولم لا تترجم آثاره إلى اللغات الأجنبية التي يعنى ذووها بدرس الآثار الشرقية. وفهم هذه النفس الجباة التي كانت مثال النبوغ في مظاهرها المتنوعة، مظهر الدين ومظهر الفلسفة ومظهر اللغة وعلومها؟ ولم لا يضطهده الأتراك أعداء العرب وهو يعنى بإحياء الحضارة العربية ويذيع ما كان لهم من مجد تليد وعلم جم؟ أليس هذا رجلا في أمة وأمة في رجل؟

لا أذكر مؤلفاته وآثاره المطبوعة والمخطوطة الباقية والبائدة، لا أذكرها فهي شيء ذائع معروف سيحفظها التاريخ في إثباته، وينتفع بها الناس بعد أن يحصلوا عليها.

إنما أذكر (لغة العرب) التي كانت - ولا تزال - صدى الحركة اللغوية في العالم العربي وغير العربي، عند كل متعلم وأستاذ، ناشئ وشاد، أذكر (لغة العرب) التي عودتنا النقد النزيه، الحق، والتواضع الكريم والاعتراف لكل مجتهد بجهده، وأخيرا كانت خير صلة بين الناطقين بالضاد وخير عامل على حراسة اللغة من عوامل الفناء والجمود والاضطهاد.

<<  <  ج: ص:  >  >>