للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإذا ما ذكرت للأب علمه الجم وفضله الغزير وأنه خير من تضرب له آباط الإبل وتشد

إليه الرحال فلا أنسى أن أذكر له مزية قلما نجدها في أمثاله من رجالات الدين هو ابتعاده عن التعصب الممقوت. على أن هذه الخلة لا تضير الذين اشتروا الآخرة بالدنيا فهجروا نعم الثانية في سبيل نعيم الأولى. أما دليلي على ذلك فهو وقوفه في وجه كاهن مثله ورده عن تنصير بعض الشعراء الجاهلين أو قل دفاعه عن حقيقة تاريخية دون أن يتأثر بما أريد أن يخلط فيها من أمور الدين.

وإني لا أزال أذكر رحلة صغيرة قمنا بها نزولا على رغبة الأب المحتفل به إذ كان يريد زيارة العش الذي درجت منه القديسة ماري ليسوع المصلوب الكرملية في قرية تدعى عبلين فبعد أن وصلنا بالمركبة إلى شفا عمرو وعلمنا أنه لا يمكن الوصول إلى عبلين إلا مشياً على الأقدام بضع دقائق أخذنا بالمشي والشمس في الهاجرة فقطعنا برهة زادت على البضع دقائق التي ذكرت لنا تهوينا وتشجيعا للمضي وقال لنا الدليل أننا سنضطر إلى قطع مسافة أكبر من التي قطعناها فوقفت وقلت للأب أقرأ لروحها الفاتحة على طريقتنا الإسلامية وأبعث بها إليها من هنا فابتسم وقال لي أن محاولتي زيارة البيت الذي ولدت فيه تلك القديسة هو لأنها شرقية عربية اعترف لها الغرب بهذا الحق وأوصلها إلى هذه المرتبة العليا فأعجبت بروح الأب العربية وعدنا أدراجنا إلى شفا عمرو ومنها إلى حيفا بالمركبة والأب العالم يطرفنا بحديثه الطلي الشهي وبعد فأنني أرجو لصديقي العزيز السعادة والهناء وللأمة العربية ما تتمناه من الأماني والآمال.

حيفا في ٦ أيلول سنة ١٩٢٨

عبد الله مخلص

<<  <  ج: ص:  >  >>