للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كانوا على الدوام، ولا يزالون محور الابتكار ومركز الاستشراق التام فمن كتبهم خاصة نال الشرق إلهام نهضته الحديثة، وبمساعدتهم وهب الشرقيون حظ حياة جديدة لامعة؛ لكنها لا تخلو من بقع سود تذهب برونق كثير من بهجتها. وكما سبقنا فقلنا: من عدم تقديرنا للأعمال الخطيرة، ولا ندري توجيه خطانا المتقلقلة، فنحن نحب التشدق بمفاخرنا. فمن الكوخ الحقير نبتعث قصرا بل قصورا! كلما أثنى علينا أحد ولو كذبا ونفاقا لاستجلابنا، آمنا بكلامه ورفعناه سماء ورددنا صيته كالببغاء كائنا من كان دون فقه ولا بحث، أيتكلم عن جدارة وحق أم هو ينقل ما قاله هذا وكشفه ذلك وأتى به لينال شهرة عندنا أو ربحا ماديا أو أدبيا، ولم يأت بالشيء المبتكر منه، بل هو ذاته عالة على سواه وأن تقول أمرا كان من الأهمية بلا الكثير وليس في حد نفسه يفيد التاريخ ولا يجلو غامضة حالكة.

إذن، سادتي، ما الفائدة لنا من أمثاله؟ لا شيء سوى البرهان على ضعف عقليتنا وسوء تقديرنا! هاءاناذا أراك تؤنبني قائلا: إنك لا تراني فيما أكتبه إلاّ عابسا مكشرا ناعيا على الشرق تأخره حظه التعس في العلوم. . . أجل! إني لكذلك فقد انقضى عهد كان مدح الشرق فيه واجبا على الشرقيين. لقد آن لنا أن نرفع رؤوسنا المطأطئة ونبصر ما كانت تحجبه حواجب الظلام والجهل. مضى ذلك العهد البائد التعس، وحق للشرقيين استفادة فائدة من حوادث الماضي فاجتناء المفيد واجتناب الباطل. فإن ترني مشمئزا كارها نادبا فما أراه من مواطن الضعف وانحطاط التقدير تجبرني أن أكونه. . . إذا أردت مثلا فلأضربنه لك

وألمس به الحقيقة القاتلة ظاهرة محسوساً بها تشق القلوب. . . غوستاف لوبون! يا له من اسم يفلق أصمخة المسامع في الشرق! أكبر مستشرق عالم في الغرب وفي العالم كله طرا (؟؟؟). . . هذا بعض ما يتحدث عنه أكثر الجرائد والمجلات عندنا. وهل من اسم غربي في الشرق أكثر شهرة وأذيع صيتا من اسمه؟ لا مراء أنه الاسم الغربي الوحيد الذي حاز قصب السبق على شفاه قرائها! ولكنه أيستحق كل هذا الفخر وهذا الإكبار؟ إن كتابه (مدنية العرب) الذي سبب له رفعة الشأن هذه ليس من الأهمية بمكان. فالذي تطرق

<<  <  ج: ص:  >  >>