للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الشعر في مصر]

١ - توطئة

يعلم الناطقون بالضاد الرقي الذي بلغ إليه المصريون في هذا العصر، حتى ليظن القارئ أن الحضارة العصرية العربية في مصر ساوت أرقى عصور لغتنا في صدر الإسلام، وربما سبقتها في بعض الفنون الفتانة. فالرسم والحفر والنقش والغناء والضرب على آلات الطرب وتمثيل الوقائع على المسارح، كل ذلك بلغ شأوا بعيدا في الإتقان جاوز ما كان يماثله عند السلف في عهد الخلفاء العباسيين وأما الشعر فحدث عنه ولا حرج. كان القريض في عهد العباسيين متاع أدب، يباع ويشترى. وأغلب معانيه لا تتجاوز المدح والقدح، التهنئة والرثاء، الغزل والتشبيب إلى ما ضارع هذه الأبواب.

وأما وصف الطبيعة وما يتجدد فيها من الأحداث والوقائع، ووصف الحقائق التاريخية وتصوير أخلاق الإنسان والحيوان والنبات والجماد ومحادثة النفس نفسها أو نفوس الغير وابتداع المعاني إلى ما دخل في هذه الموضوعات فلم يقل فيه الأقدمون شيئا كثيرا. والذي قالوه لا يجاري ما ينشئه اليوم شعراؤنا. فإن معاصرينا أجادوا أي إجادة حتى أنهم ولجوا كل باب وأمعنوا في باطنه فلم يبقوا ولم يذروا وأصبحوا أساتذة وجاروا أبلغ شعراء الإفرنج المعاصرين.

ونحن لا نريد أن نتعرض لذكر ما امتاز به كل شاعر من شعراء وادي النيل إذ هذا يطول. وإنما نريد أن نشير هنا إلى ما امتاز به أحد نوابغهم الذي جاء بكل طريف تليد، وعالج كل باب من أبواب المعاني العصرية، فبرز على كل من حاول أن يجاريه بل جاوزه حتى بلغ أبعد مدى في المعنى والمبنى.

وإنما نتعرض لذكر هذا العبقري، لأنه أهدى إلينا عدة منظومات من آيات شعره فتمكنا من التفرغ لمطالعتها ودرسها ومعارضتها بغيرها من وشي أبناء لغتنا في ربوع الفراعنة ولغات الأجانب فوجدناه ممن يفتخر بهم العصر والمصر.

وهذا الرجل النابه والأستاذ الكبير أحمد زكي أبو شادي صاحب المنظومات

<<  <  ج: ص:  >  >>